تتوالى الأحداث في المنطقة التي ما أن تهدأ بمكان حتى تشتعل في مكان آخر ودلالة ذلك غياب الإستراتيجيات والتخطيط المسبق للمستقبل واكتفاء حكومات المنطقة بالانفعال بما يحدث والاكتفاء برد الفعل.
تنطبق حالة الدوران في الحلقة المغلقة على السياسات التي تتبعها الدول العربية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وهذا له أسبابه وتداعياته الخطيرة على المستويين الجيوسياسي والاجتماعي.
تتلخص المشاكل التي تعانيها معظم الحكومات العربية باتجاهين، سياسي ويرتبط بالنخب السياسية غير المتجددة والتي تحسب كثيراً لأي خطوة تجديدية في الفكر السياسي وفي تغير النهج القائم إلى آخر أكثر مرونة وحنكة قادر على تحويل التحديات إلى فرص لا مراكمتها لتصل إلى حد اشتعال أزمة جديدة.
أما الاتجاه الثاني فهو اقتصادي واجتماعي ويتلخص بغياب الإستراتيجيات لبناء اقتصادي وطني وقومي فعال ومتعاون ومتكامل على مستوى المنطقة وافتقاد الأنظمة القانونية لمعالجة القضايا الاجتماعية الناجمة على التطور الهائل في وسائل الإعلام والاتصال والمفاهيم والمصطلحات والقيم المرتبطة بها.
قد يرى البعض أن الحفاظ على الهيكليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة التي يمر فيها العالم هو أضمن وأسلم من الإقدام على التغيير في جو مضطرب على المستوى الإقليمي والدولي، غير آخذين في الاعتبار التراكم الكمي والزمني للمشاكل وتوسعها أفقياً وعمودياً وانعكاساتها على آليات عمل الدول وثقة الشعوب بحكوماتها، والتي تعد القاعدة الأساسية للتفاعل والتعاون بين القوى السياسية الحاكمة، وبين أفراد المجتمع.
وكذلك الأمر لا يأخذ أصحاب هذه الاتجاه حقيقة أن بعض المشاكل والتحديات لا يمكن تأجيل حلها أو مواجهتها، وهذا الأمر قد يكون مرتبطاً إلى حدٍّ كبير بالإطار العام لعمل الدولة بعيداً عن نظامها السياسي، وهو ما أدى إلى الواقع المتردي الذي تعيشه الدول العربية بعد أفول حقبة الاستعمار.
مع الأسف تفضل الكثير من الدول العربية سياسة التقوقع على نفسها وإقناع نفسها بحل المشاكل الداخلية بشكل فردي من دون التفاعل مع الجوار القريب والبعيد، وهذا أعطى أعداء المنطقة فرصة التفرد في مضاعفة مشاكلها والتحكم بحلها بما يتوافق مع مصالحها وإزاحة كل المبادرات والأفكار والسياسات الوطنية لهذه الدول، وبالتالي بقاؤها في الحلقة المغلقة التي تدور فيها منذ سنوات.
إن تأزم المشاكل في الدول العربية لا يعود فقط إلى عوامل خارجية كما يبرر بعض المسؤولين والمتحكمين برسم السياسات وطرح المبادرات والحلول، وإنما يعود لإصرار بعض النخب السياسية والاقتصادية على وضع السياسات التي تخدم مصالحها الضيقة وارتباطاتها الخارجية، والتي تتكئ عليها في الحفاظ على مكاسبها، من دون النظر إلى عواقب ذلك على المجتمع وكيان الدولة التي تتحكم بها.
من المعلوم أن سورية خلال العقود الستة الماضية لربما كانت الدولة الوحيدة التي عملت باجتهاد وإصرار على تعزيز التضامن والتعاون العربي لقناعتها بأن هذا الخيار يجنب العرب الكثير من المشاكل التي يعانون منها جراء التدخلات الخارجية في شؤونهم الداخلية، وينسحب ذلك على الجانب الاقتصادي، حيث كان بمقدور التعاون الاقتصادي العربي أن يحول المنطقة العربية إلى مركز دولي للنماء والتنمية، ولكن إصرار البعض على التمسك بدور التبعية والانخراط في تنفيذ سياسات الدول الأخرى على حساب شعوبهم أدى إلى مزيد من الانهيار للمنظومة السياسية والاقتصادية العربية لمصلحة نمو التطرف والإرهاب.
إن كسر الحلقات المغلقة التي تدور فيها الدول العربية كل على حدة يستدعي إحداث نقلة نوعية وجذرية على صعيد إيقاف احتكار بعض النخب السياسية والاقتصادية المسؤولة عن وضع السياسات والتوجهات والدفع بمستويات جديدة ومختلفة قادرة على تغليب مصلحة الدولة والشعب على كل المصالح الأخرى.
معاً على الطريق -أحمد ضوا