الثورة أون لاين – حسين صقر:
يسبب الرهاب أياً كان نوعه، ضيقاً جسدياً ونفسياً شديداً، ما يؤثر في القدرة على ممارسة الأعمال الاعتيادية، سواء بالعمل أو العلاقات الاجتماعية أو غير ذلك، ومن تلك الأنواع رهاب أو فوبيا الاتصالات، حيث نرى أو نسمع عن كثير من الناس يخشون تلقي أو إرسال الاتصال الهاتفي في أي ساعة وعلى مدار اليوم، وهو ما يسبب لهم القلق والخوف والتوتر تحسباً لنبأ عن حدث طارئ، وهو ربما يكون نوعا من المبالغة الواضحة في الخوف.
المتلقي للاتصال قد يكون معه حق في ذلك التوتر، إذا كان الاتصال في ساعة متأخرة من الليل أو في منتصفه، في الصباح الباكر، لأنه قد يكون بالفعل دليل على حدث ما أو خبر سوء، لكن إذا كان في وضح النهار، فإن الاحتمالات مفتوحة على كل الأخبار ، وقد يكون اتصال اطمئنان من صديق أو قريب قد خطرت بباله.
بعض الناس الذين التقتهم ” الثورة” للحديث عن هذا الموضوع قالوا: إنهم يخشون أي اتصال مهما كانت الساعة التي جاء أو تلقوه فيها، مايدل أن خوفاً مرضياً يعانيه هؤلاء، ومن الضروري إخضاع أنفسهم للأمر الواقع والتخلص من هذا الخوف الذي لا داعي له، لأن مشيئة الإله نافذة لامحال، ولا راد لقضائه وقدره، وعلينا ان نسلّم جميعاً ونطمئن، لأن ما سوف يحدث لن يحجبه اتصال مهما كان شكله أو أياً كان توقيته.
وتقول السيدة أريج وهي مدرّسة: صحيح أن الهاتف بكل أشكاله وأنواعه سواء كان أرضياً أو محمولاً، ثابتاً أو متنقلاً، وسيلة للتواصل والإنباء عن حدث ما، ومن الطبيعي أن يرن جرسه، لكن لا أستطيع تقبل أي اتصال في أي وقت، وأخشى أن أسمع نغمته، مايجعلني أتركه في المنزل، أما بالنسبة للهاتف الأرضي أخفض صوته ما أمكن، وعندما يرن أتوقف للحظة ولا أرد مباشرة قبل أن آخذ نفساً عميقاً، أو أكلف أحداً من الأولاد بالرد.
وأضافت مع أن التعامل مع الهاتف يعتبر عملية سهلة، لكني أرى أنه يشكل بالنسبة لي عقدة لا أعرف كيف أتخلص منها، مع علمي أن ما أعانيه أحد أنواع الخوف المرضي، والذي يطلق عليه رهاب الاتصال الهاتفي أو رهاب المكالمات الهاتفية، أو فوبيا الهاتف، سمّه ما شئت، وهذه الحالة فقط تسبب لي معاناة في التعامل عبر الهاتف، بينما في الواقع أن لا أخشى تلقي أي خبر، وهو نوع من التناقض في شخصيتي.
أما السيد حسان وهو متقاعد ويلقب بأبي صفوان قال أيضاً: أخشى الاتصال الهاتفي أياً كان توقيته، ونادراً ما أحب التحدث عبر الهاتف، الأمر الذي يمنعني من التواصل مع الأصدقاء أو الأقارب أو الزملاء الذين كانوا في العمل أو غيرهم، إلا في ظروف صعبة جداً، وأرى أن ذلك يسبب لي شبه عزلة، ويشعرني بالهلع لمجرد سماع رنين الهاتف.
خوف من تفقد البريد الالكتروني
وتقول المهندسة عليا الصافي: لايقتصر خوفي من تلقي الاتصالات، بل يصل الأمر بي لدرجة أنني قد أتجنب تفقد البريد الصوتي أو الرسائل القصيرة التي تصل إلى هاتفي، علماً بأنني وضعت بعض تطبيقات التواصل فقط لمتابعة عملي .
على النقيض تماماً من تلك الحالات، عبر شادي الحلو وهو موظف بالقول: ووجد الهاتف لتوفير الوقت والجهد والمسافات وقضاء الحاجات، ولهذا من المتوقع أن نتلقى عليه أي اتصال، مفرحا كان أم محزنا. ولهذا يجب أن نتعامل مع الأمر بكامل الهدوء والطمأنينة حتى نتلقى ما حصل بشكل جيد.
فوبيا اجتماعية
وفي هذا السياق قال الطبيب النفسي أشرف صالح: تؤدي هذه الحالة إلى خوف المصاب أو إحجامه عن إجراء أي اتصال هاتفي أو استقبال المكالمات، وهو الأمر الذي يجعله يلجأ إلى أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء للرد، أو حتى للقيام بالاتصال، ويتحجج المصاب بأي سبب، أو يعترف بأنه لا يحب استخدام الهاتف، ولهذا يلجأ أحياناً للإسراف باستخدام المجيب الآلي، وأوضح أن هناك اسبابا، حيث يعد هذا النوع من الخوف أحد أنواع القلق الاجتماعي أو الفوبيا الاجتماعية، وهو من الأنواع غير القابلة للتناسي مثل أغلب الرهابات النوعية، وذلك لأهمية الاتصال الهاتفي في الحياة المعاصرة، ولأن الهاتف أصبح ضرورة، ولكون رهاب المكالمات الهاتفية يفتقد إلى الدراسات والأبحاث الطبية الكافية.
وأشار الدكتور صالح أنه ينتاب المصاب بهذا النوع من الخوف احساسا غير مريح عند سماعه صوت الهاتف وهو يرن، وربما شعر بالرهبة، أو اعتقد أنه غير مؤهل للرد على المكالمة التليفونية، حيث يتعلق الخوف المرضي هذا بحالتين أو موقفين، الأول وهو إجراء اتصال هاتفي، والثاني وهو استقبال الاتصال الهاتفي، و يبذل فيهما المصاب في الحالة الأولى جهداً ضخماً في التحضير والتدريب على ما سيقول، وذلك بعد أن يفشل في جعل أي شخص آخر يقوم بالاتصال، بينما في الحالة الثانية يمكن أن يكون إجراء المكالمة في حد ذاته مشكلة كبيرة، بصرف النظر عن الطرف الآخر، ويمكن أن ترتبط المشكلة عند آخرين بأشخاص أو متصلين معينين، كما يمكن أن يكون الخوف فقط مع الاتصالات مجهولة المصدر، أو أن يكون الخوف من الرسائل الصوتية التي يتركها المتصلون عندما لا يجدون رداً على مكالماتهم.
وأضاف الطبيب النفسي، تعتبر الخبرات المعرفية السلوكية السيئة أحد أبرز الأسباب وراء الإصابة بالرهاب النوعي حول موضوع بعينه، وهو الأمر الذي يلاحظ في حالة المصابين برهاب الاتصال الهاتفي، فيما لا تتوافر معلومات علمية تعتمد على دراسات نفسية، وإنما هي قصص المرضى التي يرونها، والتحليلات التي طورها المعالجون، مشيراً أن الباحثين عزوا ذلك إلى عدد من الخبرات السيئة وراء الإصابة بهذا النوع من الخوف المرضي، وذلك عند استقبال المكالمات الهاتفية، ومثال ذلك تكرار سماع نبأ غير سار كموت شخص مقرب أو عزيز، أو تعرضه لمكروه، وربما تسبب هذا الاتصال في خوف المصاب من مواجهة ذات الموقف مرة أخرى، وبالتالي فهو يتلافى الرد على أي مكالمات هاتفية، ويتولد لديه شعور الخوف بشكل تدريجي، الأمر الذي يولد حذراً من الرد على أي مكالمة، وينتشر هذا الموقف بين الفتيات بشكل خاص، حيث في العادة يتجنبن الاصطدام مع أحد.
طرق العلاج
وعن طرق العلاج بين صالح: أنٌ أهمها الإرشاد النفسي، حيث يقوم المرشد النفسي خلاله بالاستماع لمشاكل المصاب، كشعوره بالقلق في أوضاع معينة، ثم يقوم بمساعدته على تجاوزها، والعلاج المعرفي السلوكي، وهو نوع من الإرشاد أيضا، إذ يتم خلاله البحث في أفكار ومشاعر وسلوكات المصاب للتمكن من إيجاد أساليب عملية للتعامل مع الرهاب، أو العلاج النفسي، حيث يقوم المعالج النفسي باستخدام اتجاه معمق لمعرفة سبب ما يعاني منه المصاب، ثم يقوم بطرح حلول مناسبة له، وإزالة أسباب التحسس، وهو نوع من العلاج السلوكي الذي يستخدم في علاج بعض أنواع الرهاب، وبالتالي يتم خلاله تعريض المصاب بشكل تدريجي لما يخاف منه، الأمر الذي يجعل الخوف المرتبط به يقل تدريجيا، إلا أنه يجب القيام بهذا الشكل من العلاج، كغيره، تحت إشراف مختص.
وأوضح أن هناك ايضاً مضادات الاكتئاب والمهدئات، و جميعها تؤخذ عن طريق الطبيب، لأن هؤلاء يعانون من صراع داخلي يدور حول الرد أو عدم الرد على الهاتف، والذي ينتهي بتوقف الرنين، حيث يشعر بالراحة، والتي تزول عندما يفكر أنه مضطر لإعادة الاتصال.