الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
عبّرت الكثير من الأفلام السينمائية السورية عن هواجس الناس بصدق وجرأة ، وقدمت أعمالاً وطنية استشفت المستقبل سعياً لتكون أداة تنوير وتوعية وتحريض للفكر ، مُعبّرة عن الهوية والانتماء للوطن ، فطرح مبدعوها موقفهم من الحياة الذي يعكس رؤى ويثير أسئلة ، وضمن هذا الإطار أنتجت المؤسسة العامة للسينما مجموعة من الأفلام الروائية الطويلة التي يمكن تقسيمها إلى ما قبل وما بعد عام (2011) بحيث تم تناول الأفلام التي سبقت الحرب التي شنت على سورية عبر مادة جاءت بعنوان (الأفلام السينمائية السورية هوية وانتماء) ، وفيما يلي نلقي الضوء على أفلام قدمت موضوع الهوية وأنتجت خلال وبعد عام 2011 . فمع بدء الحرب الهمجية على سورية أُنجِزت أفلام طرحت تداعياتها على المجتمع مؤكدة عبر طروحاتها المختلفة على مجموعة من القيم والمبادئ الأصيلة منتصرة إلى الانتماء للوطن وتحصين أبنائه من كل ما يمس المفاهيم القيمية ، كاشفة تكالب القوى الظلامية لضرب المنعة الداخلية وسعيها إلى فصل الإنسان عن عقائده وهويته ، مؤكدة على أهمية تماسك المجتمع ، وقد غلب على العديد منها رصد بطولات وتضحيات الجيش العربي السوري .
سعى كل مخرج إلى محاكاة هذه الأفكار بأسلوبه وعبر موضوعات متنوعة ، فقد حرص المخرج جود سعيد على إظهار موضوع الهوية عبر مجمل أفلامه ففي فيلم (صديقي الأخير) أثار سؤال الهوية من خلال تقديم قراءة اجتماعية وسياسية لبنية المجتمع السوري ، في حين عمد إلى طرح أفكار تحكي عن الحرب التي شنت على سورية في أفلام لاحقة قدم عبر كل منها قصة حملت أبعادها وعمقها ، حيث شكّل فيلم (بانتظار الخريف) دعوة للحياة ورفض الاستكانة لعبث الموت والخراب ، أما في (مطر حمص) فكان الحب محركاً للأمل ولغد يحمل الهوية الأسلم والأصح ، وجاء (درب السما) محاولة للبحث عن الحياة رغم كل الصعاب ودعوة للتمسك بها وإعادة بناء ما في داخلنا انطلاقاً من فكرة المواطنة ، هذا الأمل والتحدي الذي نلمسه أيضاً في (نجمة الصبح) . ومن المخرجين الذي حرصوا على تأكيد فكرة الهوية والانتماء المخرج عبد اللطيف عبد الحميد منتصراً في أفلامه للحب ، ومن بينها (عزف منفرد) الذي عكس من خلاله أصالة المجتمع وعراقته مظهراً ما حاولت الحرب إحداثه فينا من خراب وكيف استطاع الكثيرون التغلب عليها والتعاطي معها رغم الألم .
أثار فيلم (مريم) إخراج باسل الخطيب أسئلة إشكالية ودارت فصول حكايته عبر ثلاثة أزمنة حاملة بين تفاصيلها بعداً إنسانياً ووطنياً مؤكدة أنه رغم الألم والانكسارات يمكننا الحفاظ على إنسانيتنا ، ومريم هنا هي الوطن والأم وبكل ما يحمله الاسم من دلالة ، كما قدم المخرج باسل الخطيب عدداً من الأفلام التي التقت بالسعي لتحقيق هاجس يتلمس الحس الإنساني زمن الحرب مشدداً في كل منها على الانتماء للوطن والأرض ، فكان فيلم (الأم) حيث الأم الجامعة لأبنائها والأرض والوطن ، وفيلم (الأب) الذي حمل رسالة حب مجسداً الصراع بين الجهل والتنوير ، وفي (سوريون) هناك حكاية إصرار على الحياة رغم الألم ، وفي (دمشق حلب) نستشف الجانب الأكثر وجدانية والمُلامس للمشاعر في حكاية تقدم صورة عن جزء من المجتمع السوري بما يحمله من تنوع . أما المخرج نجدة أنزور فقدم مجموعة أفلام دارت حول الحرب التي شنت على سورية مفنداً الادعاءات الكاذبة التي قام الإرهابيون بفبركتها كاشفاً حقيقة ما حدث على الأرض منتصراً للوطن كما في (رجل الثورة) و (فانية وتتبدد) ، وفي (رد القضاء) أظهر التضحيات والبطولات التي قُدمت في ملحمة سجن حلب المركزي ، وذهب في (دم النخل) باتجاه تعرية آلة العدوان التي تريد إحلال الدمار وسلخ هويتنا وتشويه حضارتنا .
كما غاص الفنان والمخرج أيمن زيدان في فيلم (أمينة) نحو تفاصيل حياة البسطاء والمهمشين وتناول في فيلم (غيوم داكنة) حكاية انتماء طبيب للأرض التي ولد فيها فقد عاد إلى قريته المدمّرة ليقضي أيامه الأخيرة فيها . ويضاف إلى ذلك كله مجموعة أفلام من بينها (الرابعة بتوقيت الفردوس) إخراج محمد عبد العزيز و (ليليت السورية) إخراج غسان شميط . وضمن هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى فيلمين قامت وزارة الإعلام – مديرية الإنتاج التلفزيوني في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بإنتاجهما مؤخراً هما (لآخر العمر) إخراج باسل الخطيب و (أنت جريح) إخراج ناجي طعمي .