الثورة أون لاين – غصون سليمان:
على تخوم الحقيقة كانت أخبارهم تشق عنان السماء، وعلى جمر خطاهم يروي التراب قصة حياة.. أبطالنا أوسمة نور ونار وحكايا مجد لا تنتهي رواياتها على مدى الأزمان.. ففي السطور ترتوي آيات الحق عندما يكون العنوان، نسر سوري، وجندي في الميدان، وبحار يرصد بمجهره ليمنع عتاة القراصنة من الاقتراب..
في حضرة الشهادة يستأثر العز والشموخ بقوافل ما برحت دروب الوطن، صباح مساء، حيث غدا الشهداء أسطورة خلود وفعلهم أسطورة مكان وزمان، قاوموا، ناضلوا، استبسلوا، زرعوا أجسادهم في كل شبر من تراب الوطن، ليعزٌو بلداً، فانتصروا بكبرياء الشجاعة على أعداء الإنسانية تحت الأرض وفوقها، حيث كان الجيش العربي السوري يواجه أعتى أنواع الحروب العدوانية وأشرسها بكل لغات العالم.
لكن عيونهم بقيت على سورية، وقلوبهم تخفق بحبها يحرسون المعابر والبوابات كما النوافذ والأبواب في كل الجهات كي لا يسرق الضوء ولا يمر الظلام..
فكانت الشهادة بمراتب الشرف عنوان.
من حديقة الوعد الصادق وقسم عقيدة الجيش العربي السوري نتوقف في هذه السطور عند الذكرى الخامسة لاستشهاد الملازم الأول الطيار نوح بسام سليمان في ١٧/٨/٢٠١٦ الذي حدد عمره من خلال جملة وضعها على إحدى صوره قال فيها:
” خلقنا لنرشد الضائع إلى طريق الإشباع بحب الوطن وبعد ذلك رسم عبارة الوداع بهذا الشكل “الودااااااااااااااااااااع”. حيث عدد الألف التي وضعها هي بعدد سنين عمره العشرين ربيعاً. ورغم صغر سنه استبسل هو وتسعه من رفاقه الذين كانوا يحمون ويدافعون عن مطار كويرس العسكري من نقطة متقدمة في منطقة اسمها نصرالله.
حيث تم الهجوم عليهم من قبل أعداد ضخمة من قطعان الإرهابيين المتوحشة عند السادسة فجراً بعدما كان عائداً من نوبة الحراسة فسارع إلى جاهزيته مجافياً حتى برهة للاستراحة أو حتى لقمة طعام، أو غفوة جفن، متحدياً ورفاقه جبروت الطغاة، مقاومين يقاتلون بقوة مئات الرجال مدمرين العديد من آلياتهم وأفرادهم بسلاح الآر بي جي.
وهنا يذكر أحد رفاقه ممن كتب له العمر بأنه كان بإمكان الشهيد نوح التراجع والنجاة بحياته لكن أبت كرامته وشجاعته ورجولته كما بقية رفاقه أن يعطيهم ظهره وهو لم يعتد أو يتربى على الهروب والهزيمه، بل قاوم حتى آخر نفس واستشهد آخرهم..
ذاكراً كيف حاول عدد من الدواعش سحب جثته لأنه مطلوب لديهم، لكنهم لم ينجحوا رغم تكرار المحاولات لأن رفاقه الأشاوس كانوا يقنصون كل من يقترب منه إلى أن جاءت المساندة الجوية والبرية من الجيش العربي السوري وقضوا على من تبقى منهم.
وعند إحصاء قتلى الإرهابيين كان عددهم يفوق ال٢٥٠ مجرماً داعشياً.
إنها العزيمه والإراده والإيمان وحب الوطن هو من ثبتهم وأعانهم رب العالمين بجند لم يروها.
وبالتالي لم يتحقق لهؤلاء الأنذال استعادة حصار المطار بفضل هؤلاء الأبطال وغيرهم بتكتيك المعركة في تلك الساعات بذاك اليوم وفي تلك اللحظة، وقس على ذلك الكثير، من معارك الصمود الأسطوري.
وبعد هذا الاستبسال تحررت،
مناطق حلب الشرقيه بالكامل.. وعاد الشهيد نوح ورفاق العزيمة من كل الأرجاء السورية إلى مثواهم الأخير معززين مكرمين.
وعن مشاعر تلك الأم الصابرة والتي رفضت ارتداء اللون الأسود تقول الأم المعلمة نهاد وجيه محمد والدة الشهيد نوح وقد اشتاقت روحها له، بأن الشاب نوح كان هادىء الطبع، خلوقا، مهذباً، ذواقاً مرهف الحس، كتوماً، محباً، ذكياً، جميل المعشر بشهادة كل من عرفه وتعامل معه.
وعن كيفية تلقي نبأ استشهاده نوهت إلى أن الجيران وأهل القرية كانوا يعلمون بالخبر منذ الظهيرة وقد داروا على ذلك الأمر إلى أن جاء الخبر بشكل رسمي من المعنيين في مطار كويرس، عندها شعرت بأن أنفاسي خرجت من جسدي، حزنت بصمت، لم أصرخ ولم “أولول” وقلت “هاد عمرو عنا .. والحمد الله رب العالمين، سورية تستحق أغلى التضحيات “.
لقد بكاه الصغير والكبير، كما بكوا من قبله جميع شهداء القرية.
وأضافت بأن ما يجبر الخاطر ويعزي النفس أن الشهداء يرفعون الرأس ويصونون الكرامة، وبفضلهم نحيا من جديد. وتابعت القول أنا كأم ربيت أبنائي على الفضيلة وأحسنت ووالدهم تربيتهم. وجاء القدر ليسترد الأمانة التي أعطانا إياها رب العالمين.
المعلم بسام سليم سليمان والد الشهيد تحدث بكل كبرياء عن شهداء الوطن الذين جادوا بالغالي والنفيس، فهم ضوء سورية المشرق وبفضلهم بقينا أحراراً في وطن الكرامة.
وأضاف بأنه رغم قسوة الفراق والفقد والاشتياق الذي لا حدود له، فإن مساحة الصبر يهبها الله ويقذفها في الصدور.
لقد سمعنا الكثير عن بطولات جيشنا في مطار كويرس وفي كل شبر من التراب السوري، ما يجعلنا كأهل مطمئين على أن ابناءنا كانوا على قدر المسؤولية الوطنية في جميع ميادين القتال.
رحم الله شهداء الوطن، ونصر جيشنا وشعبنا وقائدنا، ودامت سورية عصية على كل الرهانات.
الشهيد نوح بسام سليمان من قرية حيالين منطقة مصياف مواليد عام ١٩٩٥،
نجح بفحص الطيران الحربي مع ثمانين شخصاً من رفاقه من أصل ثمانية آلاف متقدم.
نال شرف ووسام الشهادة تاريخ ١٧/٨/٢٠١٦.