المسؤوليّة الاجتماعيّة والفرديّة.. ومعركة الوعي

الملحق الثقافي : د. ابتسام محمد فارس*

إن تطوير وعي الفرد تجاه دوره ومسؤوليّته نحو مجتمعه، والتعامل مع المشكلات الطارئة فيه، من أصعب القضايا التي تواجه العمليّة التربويّة، بقطاعاتها كافة، وبناء المسؤوليّة الاجتماعيّة، لا ينجح دون مستوى مقبول من المسؤوليّة الفرديّة التي يتبناها الأفراد، ويمكن القول: إن مستويات هذه المسؤوليّة، تأتي من خلال احترام حريّة وحقوق الآخرين، فلكلِّ شخصٍ حدود من الحريّة يجب ألا يتجاوزها، حتى لا يقع الضرر بالآخرين.
مما لا شكّ فيه، أن المجتمعات المتحضّرة لم تتقدّم إلا نتيجة مستوى الوعي الفرديّ، والمسؤوليّة الفردية نحو المجتمع، فالمعرفة الفرديّة التي تتكامل في إطارٍ جمعيّ، تسهم في بناءِ المجتمعات وتحقّق استقرارها وتقدمها، وعندما يكون أسمى واجباتنا كأفرادٍ، أن نتعامل بروحِ المسؤوليّة، نكون قد بدأنا ببناءِ جسورٍ بيننا وبين المجتمع الذي ننتمي إليه، وعلى ذلك الأمر يمكن القول، إن المسؤوليّة الاجتماعيّة ضرورة للمصلحة العامة، وعنصرٌ أساسيّ لتمتينِ روابط العلاقات الإنسانيّة في المجتمع الواحد.
المسؤولية بمعناها العام، تعني إقرار الفرد بما يصدر عنه من أفعال، واستعداده لتحمل نتائجها، فهي إذًاً، القدرة على أن يُلزِم الفرد نفسه أولاً، والقدرة على أن يفي بعد ذلك، بالتزاماته الاجتماعيّة بوساطة جهوده الخاصة وإرادته الحرة، وبذلك يتضمن مفهوم المسؤوليّة الاجتماعيّة، الحقوق والواجبات، واستعداد الفرد للمشاركة مع الآخرين، في الأعمال التي يقومون بها، وتقبّل الدور الذي أقرّته الجماعة.
من هنا تُعتبر، مساحة المسؤوليّة الاجتماعيّة التي يمارسها الفرد، متوازية مع مراحل دورة حياة الإنسان، فنجدها تضيق في المرحلة الأولى والأخيرة من حياته، بممارساتٍ محدودة وأدوار اجتماعية يقوم بها، وتتّسع في منتصف العمر، كما تختلف تبعاً للتغيّرات الاجتماعيّة التي يمرُّ بها، وكذلك الظروف السياسيّة والاقتصاديّة.
على سبيل المثال: في بداية الحرب التي وقعت على سورية، خسر عدد من الناس بيوتهم، فسارع كُثر لفتح منازلهم وإيواء العائلات المهجّرة، ويعدُّ هذا ارتفاعاً في حسِّ المسؤوليَة الاجتماعية لدى أفراد المجتمع.. أيضاً، إنّ فتح العديد من المدارس لإيواء من خرج من منزله، هو شكلٌ من أشكال المسؤوليّة الاجتماعيّة، على مستوى الدولة لمساعدة المواطنين.
لاشكّ أن نجاح المسؤوليّة الاجتماعيّة لا يقتصر فقط على جهدٍ واحد، بل هو بحاجةٍ لتضافر جميع الجهود، من أجل الإسهام الفعّال في بناء مجتمعٍ يتمتع أبناؤه بروح المبادرة والمسؤوليّة، والأخذ بزمامِ المبادرة نحو تشكيل واقعٍ مغايرٍ للواقع الحالي، وهذا لن يتمّ إلا باقتناعِ كلِّ فردٍ ومواطنٍ، بأهمية المسؤوليّة الاجتماعيّة، وأن تكون نابعة من داخله، حتى تتوحّد هذه الجهود في بناءِ منظومةٍ اجتماعيّة، يشارك فيها الكلّ ويشعرون بأنهم أعضاء فاعلون، لديهم القدرة على تحمّل الأعباء التي تعترضهم بروحٍ طيبة، وإلا فسنصبح أفراداً عاجزين، لا نتمتّع سوى بالكسلِ والعجز والاستجداء غير المجدي. استجداء الآخرين لمساعدتنا وإنقاذنا من الواقع السلبيّ، وهو ما يجعلنا نتحوّل تدريجياً وعبر الزمن، إلى مجرّدِ هياكلٍ بشريّة تتلقى المعونات والمساعدات الإنسانيّة، من أجل الاستمراريّة فقط، بعيداً عن أيّ مبادرة أو استشعار داخلي، يدلّ على أهمية المسؤوليّة كمفهوم يجب أن يكون له تأثيرٌ فعليّ، على أرض الواقع.
تقوم المسؤوليّة الاجتماعيّة، على وجود عددٍ من العوامل الأساسيّة، التي تمكّنها من تحقيق أهدافها، ومن بين هذه العوامل:
– المشاركة الملتزمة: فمشاركة الفرد الذاتيّة، الناتجة عن رغبته وإرادته الحرّة، من العناصر الرئيسة في تطوير أوضاع الجماعة والارتقاء بها، وإنجاز كلّ فردٍ دوره بشكلٍ صحيح، يرفع كفاءة المجتمع ويحقق المصلحة العامة.
– التنشئة الاجتماعية السليمة: وهي بحاجة إلى توعية متكاملة الأركان، من قِبل الأسرة والمدرسة، والمؤسسات المجتمعيّة، ووسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة.. توعيةٌ تساعدُ على فهمِ المسؤوليّة الاجتماعيّة فهماً كاملاً، ونابعاً من الانتماء والمواطنة للدولة وللمجتمع، حتى يستشعروا معاً أهميتها، ومدى قدرتهم الفعلية على تطبيقها، وممارستها مستقبلياً داخل مجتمعهم.
– الإرادة والعقل الواعي: تعدُّ معركة الوعي، أم المعارك على مدى التاريخ؛ إذ لم تنجح أمَّة من الأمم في إحراز التقدم والازدهار، دون تسلُّحها بالوعي الحقيقيّ والمعرفة التامة بمُقتضيات الواقع ومتطلبات المستقبل، فالمسؤوليّة الاجتماعيّة لا تقع على الشخصِ المجنون أو فاقد الأهلية، وإنما على الإنسان الذي يستطيع توظيف ملكاته الفكريّة، في اكتساب المعرفة واستخدامها بطريقةٍ مناسبة، إضافة إلى قدرة الإنسان الواعي، على تمييز الحقائق عن الأفكار المشوّهة والمضلِّلة.
– توازن الحقوق والواجبات: ذلك يعنى أن المسؤولية الاجتماعية، عبارة عن عملية تبادل متوازنة بين الحقوق والواجبات، بحيث يؤكّد ذلك أن بناء المسؤولية الاجتماعية، يتشكّل عادة من حزمةٍ من الواجبات، إلى جانب حزمة من الحقوق، فإذا قام أحد الأطراف بمسؤوليته الاجتماعية، أي واجباته، فمن المؤكد أنه سوف يحصل، أو حصل في المقابل، على حقوقه.
أخيراً، يجب أن يدرك الفرد أن المسؤوليّة الاجتماعيّة، لا يمكن أن تتحقّق دون تضافر وتآزر المسؤوليّات الفرديّة، ما يسهم في استمرار المجتمع واستقراره ورقيّه الحضاري، وتخلي أيّ طرفٍ عن مسؤوليته الاجتماعيّة (أفراداً أو جماعات) لا بدّ أن يورّث العديد من الأمراض الاجتماعيّة التي منها، عدم المشاركة الفاعلة، مظاهر الاحتجاج والتمرّد والتخريب.. هذا التخلّي أيضاً، يفسحُ المجال أمام القوى الخارجيّة، للتدخل والتأثير السلبي، ولانتشار حالة من الفوضى التي سببها، عدم الوفاء بالالتزامات الأساسيّة، وحصول الأفراد على حقوقهم.
 أستاذ مساعد- كلية التربية-جامعة دمشق

التاريخ: الثلاثاء 17- 8- 2020

رقم العدد: 1059

آخر الأخبار
لمنتج علفي رخيص.. التدريب على تصنيع السيلاج باستخدام الأعشاب ماذا لو قبل "بشار الأسد" شُرب المرطبات مع "أردوغان" أحمد نور رسلان - كاتب وصحفي سوري اليوم بدأ العمل الجاد   الشرع: سوريا لكل السوريين بطوائفها وأعراقها كافة.. وقوتنا بوحدتنا كهرباء ريف دمشق: صيانات وتركيب تجهيزات جديدة وحملات لإزالة التعديات    القبض على شبكة مخدرات وعصابة سرقة أموال وسيارات      استبدال خط "سادكوب" لتحسين ضخ المياه وتقليل الفاقد بحماة   "مكتب الاستدامة" تجربة رائدة في بناء قدرات الطلاب ودعم البحث العلمي  تكريم كوادر مستشفى الجولان   عودة ألف تاجر حلبي منذ التحرير ... "تجارة حلب": رفع العقوبات يعيد سوريا إلى الاقتصاد العالمي فعاليات من حلب لـ"الثورة": رفع العقوبات تحول جذري في الاقتصاد مجموعة ضخ أفقية لمشروع بيت الوادي في الدريكيش  رسالة للصين.. تايوان تختبر نظام  HIMARS الصاروخي الأمريكي لأول مرة   DW:  سوريا مستعدة لازدهار الاستثمار مع رفع العقوبات الأمريكية خبير مصرفي لـ"الثورة": تعافٍ اقتصادي شامل يوم السوريين الجميل...ترامب: ملتزمون بالوقوف إلى جانب سوريا.. الشرع: سنمضي بثقة نحو المستقبل  عصب الحياة في خطر ....  شبح العطش يهدد دمشق وريفها.. والمؤسسة تحذر..درويش لـ"الثورة": 550 ألف م3 حا... أساتذة وطلاب جامعات لـ"الثورة": رفع العقوبات انتصار لإرادة سوريا رحبت برفع العقوبات عن سوريا... القمة الخليجية الأمريكية: صفحة جديدة نحو النمو والازدهار الدكتور الشاهر لـ"الثورة": رفع العقوبات عن سوريا يعكس الثقة بالإدارة الجديدة رفع العقوبات.. الطريق إلى التعافي