الثورة أن لاين – سامر البوظة:
ما جرى مؤخراً في أفغانستان من أحداث والمسرحية الهوليودية الهزيلة التي أتحفنا بها الأميركي والتي أعدها وأخرجها للعالم عقب انسحابه المفاجئ وتسليمه السيطرة على البلد لإرهابيي تنظيم “طالبان”, لا شك أنه يطرح العديد من التساؤلات ويثير العديد من إشارات الاستفهام, حول السرعة القياسية التي تمت بها العملية, والتي فاجأت الجميع حتى الأميركيين أنفسهم, إلا أنه وفي نفس الوقت لا يمكن أن ينفي أن هذا السيناريو معد مسبقاً ومتفق عليه بين الطرفين دون أدنى شك, الأمر الذي يؤكد المؤكد بأن الإرهاب بكافة مسمياته وأينما وجد في العالم هو صنيعة أميركية بامتياز ولو اختلفت تلك المسميات, فلا يوجد بلاء في العالم إلا ووراءه أميركا وأينما وجد الإرهاب والفوضى فتش دائماً عن الأصابع الأميركية, وما جرى يفضح وبشكل واضح كل المزاعم والادعاءات الأميركية والشعارات الكاذبة التي لطالما خدعت العالم بها واتخذتها ذريعة لغزو الشعوب واحتلال أراضيها ونهب خيراتها, ومكافحة الإرهاب إحداها.
عشرون عاماً مضت على احتلال الولايات المتحدة الأميركية لأفغانستان, ولم تتمكن من تحقيق هدف واحد من الأهداف التي ادعت أنها جاءت لتحقيقها, إن كان لجهة القضاء على الإرهاب أو تحقيق الاستقرار ونشر الحرية والديمقراطية في هذا البلد, بل على العكس تماماً هي جاءت لنشر الفوضى, عشرون عاماً مضت تبين خلالها حجم الكذب الذي مارسته الولايات المتحدة وخدعت به العالم على مدى تلك السنين, وكشفت من خلاله عن أهدافها الحقيقية ونواياها الخبيثة, فهي أينما حلت حل الدمار والخراب.
والمتابع للسياسة الأميركية يلاحظ أن الولايات المتحدة تلجأ دائماً إلى هذا الأسلوب بعد كل هزيمة أو فشل يلحق بها, وهو إعادة خلط الأوراق عبر تدوير الإرهاب واستثماره مجدداً لتحقيق ما عجزت عن تنفيذه, وهو ما رأيناه في ليبيا والعراق وأذربيجان وهو ما رأيناه أيضاً في سورية واليوم يتجدد الأمر نفسه في أفغانستان, “مع تغيير الأسماء”.
فالولايات المتحدة غزت أفغانستان بحجة “مكافحة الإرهاب” بعد أحداث الـ11 من أيلول, واتخذت ذلك ذريعة لتضع لها قدماً في المنطقة نظراً للموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به أفغانستان, وتشاركها الحدود مع أكثر ثلاث دول تقلق واشنطن وتعرقل مشاريعها الاستعمارية وتقف حجر عثرة أمام هيمنتها وغطرستها, وهي روسيا والصين وإيران, هذا من جهة, ومن جهة أخرى أهمية أفغانستان لما تمتلكه من ثروات باطنية وموارد طبيعية, وهذا بحد ذاته أحد الأهداف الاستعمارية الأميركية المعلنة.
إلا أن الولايات المتحدة وعلى مدى عشرين عاماً من احتلالها لأفغانستان لم تستطع سوى نشر الفوضى والخراب ونهب وسرقة ثروات الأفغانيين وتدمير بلدهم, فاستراتيجيتها فشلت ومشاريعها هزمت, فهي لم تستطع القضاء على الإرهاب كما كانت تزعم, ولم تستطع نشر الحرية والديمقراطية على حد قولها ولم تبن هذا البلد بل على العكس دمرته, وهذا باعتراف الرئيس الأميركي جو بايدن الذي حاول تبرير ما جرى عندما قال: “لم نأت لبناء هذا البلد”.
وربما هذه أول مرة يكون صادقاً فيها, وهذه حقيقة, فالولايات المتحدة تنهب وتدمر ولا تبني, ومع ذلك خسائرها في أفغانستان خلال العقدين الماضيين كانت كبيرة وتقدر بمليارات الدولارات, لذلك أرادت تفادي تكرار مشاهد الهروب المذل في فيتنام, والتغطية على فشلها وخسائرها تلك, فلجأت إلى إعادة تدوير ورقة “طالبان” مجدداً والاعتماد عليه في تنفيذ مخططاتها الخبيثة, وكانت تلك المسرحية الهزلية الفاشلة التي لم تستطع أن تقنع بها أحداً في العالم ولا حتى في الداخل الأميركي وخاصة عند خصوم بايدن الذين وصفوا ما حصل بالفشل الذريع والهزيمة, ووجدوا في ذلك ورقة مهمة للضغط عليه مطالبين باستقالته, وحتى الصحف الأميركية كتبت عن الهزيمة، والسياسيون تحدثوا عنها، وانتقدوا أداء بايدن، مطالبين بتحمل المسؤولين التبعات.
بكل المقاييس, ما حصل في أفغانستان هو فشل استراتيجي وسياسي وعسكري وأخلاقي لأميركا, وهزيمتها في أفغانستان واضحةٌ وجلية, مهما كابرت واشنطن أو حاولت تلميع هيبتها المهدورة, وحتما ذلك سيكون له ارتداداته إلى ما بعد أفغانستان, والعيون الاستعمارية الآن ترنو إلى سورية والعراق, بحسب ما يرى محللون, أما في أفغانستان فيبقى السؤال, ما مصير الشعب الأفغاني بعد سيطرة “طالبان” على البلاد واستحواذها على ترسانة الأسلحة الأميركية التي كانت بيد الجيش الأفغاني, وما تبعات ذلك على دول المنطقة والعالم, وسط مخاوف من أن تصبح أفغانستان ملاذاً ومنطلقاً للإرهاب.
ومما لا شك فيه أن ما جرى في أفغانستان من فشل للسياسة الأميركية, وكيف تخلت واشنطن عن عملائها بعد أن انتهت حاجتها منهم وفضلت “كلابها البوليسية” عليهم, فيه الكثير من الدروس والعبر, خاصة لأتباع وأدوات أميركا في المنطقة والعالم, الذين لا يزالون يستقوون بها ويراهنون عليها, فهل من يعتبر.