الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
مما لا شك فيه أن الحراك الفني في سورية بني على أرض متينة شيّد عليها بنيان قوي بجهد وتعب رواد أوائل شكّلوا النواة التي أسست وزرعت ونمّت وابتكرت بحب وحرص وتفانٍ وإخلاص، فعملوا بأصعب الظروف، وكانوا أشبه بمن يحفر الصخر بأظافره، سعوا بكل تصميم وإرادة لتحقيق هاجسهم في الوصول إلى مساحات أكبر وأوسع، وبهذا التصميم وتلك الإرادة نشط الحراك الفني وتطور، وبات رويداً رويداً يأخذ مساره الصحيح ضمن المجتمع، إن كان على صعيد المسرح أو السينما وحتى الدراما التلفزيونية التي ما لبثت أن سادت المشهد جماهيرياً، حتى أن هناك الكثير من الحكايات التي كانت تروى عن فنانين افترشوا كواليس المسرح بعد عروضهم ليناموا وهمهم تقديم أعمال هامة، وآخرون جابوا بأعمالهم المسرحية مختلف المناطق والقرى السورية ليصلوا بها إلى أبعد مكان يمكن أن يصلوا إليه، وفيما بعد باتوا نجوماً ساطعة في سماء الفن، بعضهم رحل عنا وبقي نتاجه خالداً، والبعض الآخر مستمر في العطاء بقلب يملؤه الشغف.
تميز الحراك الفني بالاستمرارية والتجدد، وبتوالد أجيال جديدة من فنانين حملوا الراية، ولكن السؤال: إلى أي مدى كانوا كلهم أمناء على حمل هذه الراية؟ وهل حافظ فنانو الجيل الجديد على التقاليد والقيم والأعراف الفنية التي حرص الرواد على تكريسها، أم ضربوا بها عرض الحائط؟ هل حقاً ذهبت تلك العادات والتقاليد أدراج الرياح؟ وهل يتحمل الجيل الجديد، وإن فئة منه، المسؤولية عن ذلك أم للأمر أبعاد أخرى أكثر تشعباً؟.. ضمن هذا الإطار تتفرع الإجابة إلى عدة مناحٍ، ففي حين يرى العديد ممن ينتمون إلى الجيل القديم أنهم عملوا في أحلك الأوقات، وقدموا وضحّوا وبنوا، في حين أتى الجيل الجديد ليجني الثمار ويأخذها لقمة سائغة فكان أشبه بمن ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، يرى جزء من الجيل الجديد أن ما قدمه الأقدمون كان ضرورياً ولكنه يتناسب مع حرك ذاك الزمن، فاليوم ازداد عدد الفنانين واختلفت شروط وبيئة العمل، كما اختلفت المعايير وآلية التعاطي مع الأمور، ويرى الجزء الآخر منهم أن فناني اليوم مدينون للأجيال السابقة وينبغي عليهم المحافظة على ما تم التأسيس له والسعي إلى تطويره.
ما بنته الأجيال الأولى وسعت إلى تكريسه من مفاهيم وعادات وتقاليد وأعراف فنية سرعان ما اصطدم بواقع جديد مرتهن في جزئه الأكبر إلى مفاهيم السوق و (البزنس) ما هدد بتقويضه لتُكرّس مكانه حالة من العشوائية والفوضى، الأمر الذي ليس للجيل الجديد من الفنانين يد فيه وإنما هو حالة إنتاجية وجدوا أنفسهم في أتون تداعياتها رغم محاولة الكثيرين منهم الحفاظ على القيم والمفاهيم الأصيلة، ولكن تبقى حالة التكامل بين الأجيال هي السائدة فما تم بناؤه لا يكتمل إلا بما يقدمه الجيل الشاب من أعمال إبداعية، ويبقى مقياس النجاح في أحد أهم أوجهه مرتبط بمدى جدية الفنان وبمدى إحساسه بالمسؤولية تجاه ما يقدم من أعمال، فالبون شاسع بين فنان لا يتحمل مسؤولية عمله وآخر ملتزم بما يقدم ويمتلك من الحس المرهف والطموح والجلد الكثير، ويبقى الأمل بجيل شاب يحمل الراية ويدافع بقوة عن أعراف المهنة وتقاليدها متسلحاً بدراسته الأكاديمية وموهبته الأصيلة
