الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
لم يعد من المقبول، الحديث عن الأوبئة التي شهدها العالم على مرّ العصور، وفتكت بآلافِ البشر، دون الحديث عن وباء «كورونا»، الذي استشرى فقتل الملايين من الناس أيضاً، وفي شتى أنحاء العالم، الذي عمّ فيه البلاء وانتشر.
نقرأ «الطاعون» فنتلمّس فظاعة الأحداث التي جسّدها الكاتب الفرنسي «ألبير كامو» إبداعاً، وإن مزجه بالخيال، إلا أنه لم يكُ كالخيال الذي جعلنا نتلمّس في «العمى»، سواد ما نعيشه وأرّخه البرتغالي «ساراماغو» واقعاً، كان الوباءُ الفكريّ فيه، أشدّ خطورة من كلّ الأوبئة التي ألهمت الفنون الإبداعية، ما يشهد على مقدارِ الويل الذي عانت منه الشعوب، بسبب الأوبئة والسموم الفتّاكة، ولاسيما التي استخدمتها أميركا، في إباداتها الجماعيّة.
نعم، وباءُ الفكر أخطر من كلِّ الأوبئة التي عرفها الإنسان، وما نشهده اليوم من تخبّطاتٍ وفوضى وفساد وأحقادٍ وموتٍ عمَّ العالم بأكمله، ليس بسبب وباء «كورونا»، بل بسببِ العماء الفكريّ الذي جعلنا لا نُبصر ولا نستبصر، إلا الحياة الغارقة بعماءٍ يتّسع فضاء ظلامه.
نتساءل هنا، تساؤل «طه حسين» الذي أعياهُ وباء الكوليرا، يوم أصاب حتى أفراد عائلته، كما وردَ في سيرته، وعن مصير «الأيام» التي نعيشها، وكان قد عاشها ودوّنها ببصيرته.
حتماً لا أحد يعرف مصير أيامه، الكلُّ يقف تائهاً وعاجزاً عن معرفةِ أيّ شيء، بعد أن داهمتهُ مختلف أنواع الأوبئة، التي عزلتهُ حتى عن ذاته.
هي رؤية سوداويّة، لا يُنصح بها، رغم أن الواقعُ يجعل من الصعوبة رؤية عكسها.. هنا، من المفيد أن نعمل بالنصيحةِ التي عمل بها عميد الأدب العربي، وهي التمسّك بالأمل، واعتماد الوقاية بالوعي الذي يُحصّننا من العماء، ولاسيما العقليّ والفكريّ.
من المفيد أيضاً، أن نحوّل العزلة إلى حياة كاملة، وعن طريق الاهتمام بالأرض، والاعتماد على المحاصيل المحلّية.. ممارسة القراءة والرياضة والاستمتاع بالموسيقا والغناء، وهواياتٌ أخرى نواجه بها ما نعيشهُ في عزلتنا العدميّة.
هي نصيحة تحوّلنا وعلى رأي «طه حسين» إلى حكماء، نتأبّط الأمل ونجولُ في أزمنة الوباء.. نُعافي الحياة بوعينا ويقظتنا، ونردُّ إليها ما فقدته، من نورِ بصرها وبصيرتها.
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء31-8-2021
رقم العدد :1061