الثورة أون لاين- عبد المعين زيتون:
عندما يكتب الرجل، نسبح في روح المعنى.. وحين تكتب المرأة، ننشغل بجسد الحرف.
في كتابات الرجل نبحث عن الأدب، وفي كتابات المرأة نترصد شيئا آخر..
عندما تكتب المرأة ننظر إليها بحذر ممزوج بالذهول، النظرة نفسها التي نواجه بها أنثى تدخن سيجارة في مكان عام..
ما هذا الانحلال؟ ومن أين لها بكل هذه الجرأة؟( يتساءل ذكر في ذات نفسه) ،ويمضي متذمرا وهو ينفث سيجارته بانتشاء.
حين تكتب المرأة، نتجسس على صورتها في ظهر الغلاف، نتأمل حروف الجمال، نجول بين الفتحة والسُّكون، نحلل لغة العيون، نقيس مدى انضباط خصلات شعرها ، ونغرق مليا في تفاصيل خطوط قلم الشفاه، وبعد ذلك نقول: «جميل،رائع وربما أكثر!».
نقرأ كتابات المرأة بتعال ذكوري ملتبس، فإما أن نبالغ في الاحتفاء بها وكأننا نحفز طفلا على الحبو، وإما أن ننثر عليها الورد وكأننا نتغزل في مشيتها الرشيقة، وإما ندقق في رصد انحرافات التعبير وجرأة الخطاب وكأننا نحاسبها على إفراطها في ملح الطعام.
وربما نتحرش بإيحاءات النص ونزق اللغة وكأنها دعتنا بين السطور لرقصة معها!
تصدمنا المرأة حين تخرج من مطبخها بنصوص خالية من الدسم الأنثوي وغنية ب(فيتامين الذكورة)، تهيننا النساء حين يقدرن على طبخ نص أدبي أكثر طراوة من رغيف طازج،وأشهى من طبق حار، تستفزنا جرأتهن في خلع حجاب اللغة عن الجسد، ونتهمهن بالعهر كلما تواطأن مع أبطال رواياتهن في مشاهد حميمية!
ونقف مندهشين أمام امرأة تكتب.. “لا يمكن!”
نقول في قرارة أنفسنا كلما تمردت امرأة على صنبور الماء ومساحيق الغسيل ورشتنا فجأة بمائها الأدبي.. مستحيل! نتساءل من فرط الصدمة:
(متى وجدت فسحة للتأمل والارتماء في أحضان الورق)؟
وكيف نجحت في التسلل من الحراس واقتراف الخطيئة؟.. كيف يمكنها الكتابة بيدين مقيدتين بعمود السرير وكفين مخضبتين بالحناء..
قبل أن نحلل ما تنشر،أو نتفحص أولا نصاعة بياض القمصان التي تنشر كل صباح على حبل الغسيل، لنتأكد من أنها أنهت أشغال التنظيف والطبخ كاملة قبل أن تتسلى بطرز الحروف، وبأنها قدمت كشفا دقيقا لحساب أداء أدوارها التقليدية! بعد ذلك نُخضع نصوصها للتحليل الدقيق في مختبرات النقد (الذكوري)!
كي نكشف نقط عطرها على الحروف وأثر كحل عينيها على الهوامش..وكأن النساء توقعن نصوصهن بأحمر الشفاه وتكتبن بفقاعات الصابون..
وكأن الكتابة أنثى لا تطاوع إلا ذكرا ..
ولا نقبل في لاوعينا الجمعي أن تترامى النساء على غوايتها وتتورطن معها في العشق الممنوع.
ترى هل من الصحيح أن تستمر رؤيتنا للمرأة وهي تكتب وتبدع على ماهي عليه؟
وهل من الصحيح أيضا أن ثمة أدبا نسويا وآخر نسوي؟..
أعتقد أن الكتابة فعل فكري عميق يشترط حكمة وبصيرة، والنساء في ذهنيتنا الذكورية مجرد كائنات عاطفية هشة، ناقصات عقل وغارقات في السطحية!
لست أدري لماذا نفصل دائما بين الأدب والأدب الذي تكتبه المرأة، وكأنهما جنسان إبداعيان مختلفان في معيار النقد والتقييم الجمالي.. ولست أدري لماذا نُخضع كتابات الرجل لمقياس العلم والمعرفة ونفصلها عن واقعه، بينما نُخضع كتابات المرأة لمجهر التلصص الأخلاقي وسوء الظن المبيت والإسقاطات الجاهزة دون فصل بين الحياة الشخصية والعوالم المتخيلة للذات المبدعة..
الكتابة فعل تحرري يتمرد على الهوية الجنسية، والاجتماعية.
الكتابة مغامرة لا تُقاس بدرجات هرمون «الأستروجين» أو طاقات الذكورة، والكتابة حرية وإبداع من الإنسان وإليه، إما يكون ذا قيمة أو لا يكون.
ترى ماذا لو كانت الكاتبات والمبدعات لا يوقعن نصوصهن بأسمائهن، أو كانت تنسبهن لكاتب ذكر! ترى هل كان القراء سيكشفون ماركة عطرهن أو يضبطوهن متلبسات بالسير بكعب عال بين ممرات السطور؟
ما معنى أن يتحول الشعر الى رحلة أخرى بعيدة عن هدف وغرض الشعر ووظيفته متناقضا مع مفهوم “طهر” القصيدة، ومع وظيفتها التربوية والجمالية التي يراها البعض من صفاته؟
ولماذا يوغل الشعراء في تضمين النص الشعري الحالم بأفكار شهوانية تضع فوق الجسد الانثوي بصمات الاصابع الذكورية، أو قل براثنها!!
لقد كتبت جومانا حداد :
“وأنا إذ أكتبُ عن جسدي واستيهاماتي لا أفعل ذلك لكي أستعرض عضلات “جرأتي”، بل سعياً منّي الى ان أكون أمينة لما اعيشه في داخلي ولما أهجس به. جسدي جزء أساسي منّي ومن روحي وعقلي، وهو حقل تجاربي وميدان عيشي للحياة. هو الأرض التي تستقبل في رحم ترابها، الشمس والقمر والمطر والريح والنهر والعصافير والناس.
وحتى عندما أكتب، أشعر أنني أكتب بجسدي وعليه، وأن كلماتي تنفجر من مسامي وتنحفر على جلدي نفسه”.
وقد وضعتنا جميعا في صورة عميقة وجدانية ، لاأعتقد أنها خاصة بذات المبدعة جومانا حداد،بقدر ماهي صورة المرأة اﻹنسان الذي يمتشق القلم في وغى الكلمة ..