حزمةُ حطب

الملحق الثقافي:زهرة عبد الجليل الكوسى:

رؤيتي المتكرّرة لها، وهي تسترق النظر من خلفِ سورِ البيت، الذي لا يعلو أكثر من مترٍ عن الطريق العام، لم تعد مصادفة، وما أن تنتبه لوجودي، حتى تشاغل نفسها بهاتفها النقّال، وتمضي مسرعة، تكادُ تتعثّر بالحصى من شدّة ارتباكها، وهلعها أثناء هروبها..
يقعُ منزلنا في قريةٍ ريفيّة هادئة، يتوسّط حديقة جميلة، يتوشح أشجار السرو العالية، وشجيرات الزيتون الكثيفة، خوفاً من تقلّبات الطبيعة في كلّ الفصول، كما أغلبية البيوت الريفيّة، التي تشابهت بتفاصيل الفجرِ والغروب، وطقوس الأمل المتعرّجة على جوانبِ الطُرق، التي تمدّ يدها لمصافحة أشعّة الشّمس، حين يبدأ كرنفال البذار.
يحدّثك مدخل البيت الخارجيّ، عن رحلة كفاحنا المُضنية، فالممرُّ ما زال من الإسمنت، كما فناء الدار الواسع، الذي نقضي به سهراتنا إلى وقتٍ متأخّر من الليل، تحت دوالي العنب التي تُظلّنا بهمسِ قناديلها الساحرة، حين نعومُ في حرارةِ الصّيف.
حدّثت زوجي عنها، وعن مخاوفي منها، سألني عن الوقت الذي أراها به.
قلت: قبيل آذان العصر!..
قال: حسناً، لا توقظيني غداً للذهاب إلى العمل، سأضطرّ لأخذِ إجازةٍ للتأكّد من مخاوفك!!
في اليوم التالي، وقبيل التوقيت المُحدّد، خرج زوجي لزيارة جارنا الساكن في الجانب الآخر من الطريق، مُقابِلنا، تعمّد الجلوس في فناءِ الدّار، الموازية للطريقِ العام، وسور بيتنا.
أخذتُ مكاني خلف النافذة في غرفتي المُطلّة على الطريق، تحسّباً لهروبها عندما تراني.
في توقيتها الموعود، أطلّت من خلفِ السّور، وبدأت تمعن النظر باتّجاه باب البيت الداخليّ، المفتوح على مصراعيه، الذي زيّنته بستارة شفّافة، ورديّة، لمنعِ دخولِ الحشرات إلى المنزل – في الحدّ الأدني- كانت تحدّق كالصّنم، ولا يرفُّ لها جفن!..
ماهي إلا دقائق، حتى ألقى زوجي القبض عليها، متلبّسة بجرمِ المراقبة!.
لم تصرخ، ولم تتفوّه ببنتِ شفة، انهارت، وغابت عن الوعي، فقمنا بإسعافها على عجل، إلى الداخل.
كاد حزني عليها أن يشلّ تفكيري، ويوقف نبضات قلبي.
بعد أن تماثلتْ للصّحو، أجهشتْ في البكاء بصمتٍ، تركناها إلى أن هدأت، قدّمت لها فنجان قهوة لتستردّ وعيها أكثر، وأنا أحاول أن أهدِّئ من روعها، وأطمئِنها بأننا لا نريد بها سوءاً، بل الاستفسار عن سبب مراقبتها لنا، كلّ يوم.
قالت بصوتٍ مرتجف، بعد أن استردّت وعيها:
– أنا لستُ إرهابيّة، أنا موظّفة، وهذه هويّتي النقابيّة. أقطن بالقربِ منكم، زوجي استشهد على إحدى جبهاتِ الوطن، منذ بداية الأزمة، ولم يرزقنا الله بأولادٍ.
أثناء عودتي من الدوام، أتأمّل حكايات البيوت الوادعة، على جانبيّ الطريق، انتبهتُ إلى فوضى أحذية أولادكم، المتراكمة أمام البيت الداخليّ، كيفما اتّفق، كنت أسمع ضجّة الحياة تنبعث منهم، أتخيّل بشاشة وجوههم، وهي تشعّ من خلفِ جدرانِ بيتكم، أسمع أصواتهم من النوافذ، فترتدُّ إليّ روحي الغائبة بين أضلعي.
كأنّي أستمدّ منهم القوّة والزّاد، لساعاتٍ طويلة أقضيها وحيدة، وأنا أتحمّل صقيع بيتي في عزّ الصّيف، فالموتُ يخاصمني ولا يريد أن يذكُرني!.
تابعتْ والغصّات تحرقني، قبل أن تحرقها: بإمكانكم زيارتي والتأكّد مما أقول.
رفضت تناول الغداء معنا، وأصرّت على العودة إلى منزلها، فرافقتها وزوجي تحسّباً من أيّ توتّر، يفقدها توازنها مرّة أخرى.
عندما دخلنا بيتها، استقبلتنا نسائمٌ باردة، مُنعشة، لكنّ الهدوء العميق والكثير، كان يعكّر أناقة المنزل، المليء بالبقايا المُرهقة.
لفت نظري وجود لوحة كبيرة، مرسومة على جدار غرفة الاستقبال، لمدفأة، يُغذّيها بالوقود قلباً يقطر منه دماً، وحزمة حطب بائسة، تكوّمت جانب المدفأة، مرسومة بشكلٍ أسهمٍ رماديّة داكنة، مَهَرت كلّ نصلٍ فيها بحرفين مختلفين!!.
سألتُها: من رسمَ اللوحة؟.
قالت: أنا!
قلتُ لماذا كلّ…؟.
قاطعتني بصوتٍ مضطرب، وهي تشير إلى حزمة الحطب:
– قد أقصُّ عليكِ حكايتي، بعد شتاءٍ، إن لم تكوني سهماً إضافيّاً في هذه الحزمة!..

التاريخ: الثلاثاء14-9-2021

رقم العدد :1063

 

آخر الأخبار
وجهت نداء استغاثة لإنقاذها من ميليشيات الهجري..  عائلات في ريف السويداء تتعرض للقتل والتهجير وحرق م... "أبطال الخير" في ثقافي حمص.. يزرع قيم الخير في نفوس الأطفال تعديات على مهنة البيطريين في اللاذقية.. رئيس فرع النقابة: نطالب بزيادة طبيعة العمل رؤوس مقطوعة وبطون معقورة وأطفال ذبحوا من الوريد  مليشيات الهجري ترتكب أبشع المجازر بحق بدو السويداء "صندوق التنمية".. ذراع تمويلية استراتيجية لإعادة بناء سوريا سوريا مُوحَْدة بقيادتها وجيشها وشعبها.. ارتياح كبير عكسه خطاب الرئيس الشرع لدى مواطني طرطوس أهالٍ من درعا ينددون بالعدوان الإسرائيلي تحسين التيار الكهربائي بريف حمص توازن في أسئلة "الانكليزية ".. وتفاوت في  آراء الطلاب مجموعات خارجة عن القانون ترتكب مجازر بحق المدنيين وأبناء العشائر بريف السويداء صالات السورية للتجارة بطريقها إلى الاستثمار في اللاذقية تزويد مستشفى الجولان بمواد طبية إسعافية عصية على الانكسار أنقرة وموسكو: الغارات الإسرائيلية على سوريا انتهاك يستهدف استقرار المنطقة معارض متكررة بلا إضافة .. هل تلبي المهرجانات طموحات المستهلكين بحلب.. ؟ استجابة لما نشرته "الثورة".. ضبط تعرفة النقل في حلب فرنسا : ندعم وحدة وسيادة سوريا " الجامعة المنتجة " بحلب .. شراكات فاعلة بين المؤسسات الأكاديمية والاقتصادية معسكرات تدريبية بين الصحة وجامعة حلب للمعهد الطبي اهتمام بالجودة والإنتاجية.. جني محصول البطاطا الإكثارية بريف حلب