قراءة في ديوان (قلقاً تطير بي الفراشة..) للشاعر صالح سلمان

الثورة أون لاين – علم عبد اللطيف:

في ديوانه الأخير قلقاً تطير بي الفراشة.. الصادر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق 2020 سنتوقف قليلاً بعد هذه الجولة البانورامية في إصداراته، وسنلاحظ أن شاعرنا أدرك أن القصيدة وإن كانت تحب أن تبدو في كامل زينتها، بهرجتِها.. بثوبها العرائسي، وألوانها القشيبة، وقد ألبسها فعلاً أثواب الفصول في معظم أعماله السابقة.. لكن القصيدة أيضاً.. وكما يزعم.. تحب أيضاً أن تتملى نفسها شبه عاريةٍ من دون تبرج وأثواب، فيميل شاعرنا إلى النص العفوي.. لكأن الشعر صار لغة عادية لديه.. يفكر به وسيلة لخطاب، فيبتعد عن النحت بإزميل اللغة الباذخة.. ويبدو كمن يتنفس شعراً بلغة الأشياء البسيطة.. فيغرف من البحر والطبيعة والهواء والشجر… أمواجاً ووروداً ونسائم وثمر..
في ديوانه قلقاً تطير بي الفراشة.. يمضي مع الموسقة خياراً، لكل نص مقامٌ يناسبه، هو الشاعر الذي تسكنه موسقة الكلمة والجملة الشعرية، ويقيم في واديها العبقري بين جنة الشعر.. ولكم نوّع في النص الشعري بين العمودي والتفعيلة والنثر.. يبرر ذلك أن المقام اقتضى هذا، لكنه رغم كل ادعاء.. يعود إلى أدواته الجمالية التي أتقنها، يعرف كيف يوظفها في تقديم قصيدته، ولا يتخلى عنها سلماً يوصله الى عالٍ متحلق، لكنه ينسال دفقاً شفافاً هادئاً دون صخب، كمن يحدث نفسه بالحبر.. يقول:
ماذا ستفعل حين تلقمك القصيدة ثديها المقطوع في صحن الخليقة؟..هل ستتركه وحيداً ينزف الكلمات؟..
ويقول:
لا. لم يكن في البال أن آتي لأصطبح القصيدة.. لم يكن في البال.. لكن الكمنجة عتقت في صدرها نغماً.. وجاءت تسكب الإيقاع في جسدي الرقيق.. وأنا يحمّلني نداء اللحن اوزارا.. ويقسم أن يزيد إذا اعتذرت..
ويقول في نص آخر:
هل يضيء الشعر؟.. قلتُ يضيء بالنبضات.. حين القلب يعزفها على وتر المحبة.. هل يعيد القلب موسيقاه.. قلت يعيدها في نغمة أخرى.. على وتر الحنين..
ويكمل في مكان آخر:
هل سينقذني الصوت إن جاءني تائها؟.. هل سيرجعني مثلما كنت في أول الحبو.. هل لأسئلة أن تفك الإجابات من أسرها حين يأخذها الشوق للحبر..
ويشرح ربما في مكان آخر..
هي ذي الكأس.. أخرج بها هلوسات تبدت على قاع هذي البلاد التي… من تُرى يكمل القول في هذه المدن الصاغرة..؟
لكن صالح.. في قصيدة متأخرة في الديوان.. بعنوان أبي.. يبتدئ فيها نصاً نثريا هو رسالة يوجهها لأب كان هكذا أو يفترض، كما فعل كافكا في قصته، رسالة إلى الوالد.. هي رسالة لأبٍ كأنها رسالة إلى لله:
للمطرقة في يديك وهي تعلو وتهبط فوق سنديان الحياة.. إيقاع اللقمة في فم الجوعان.. وصوت القصيدة في كتاب القراءة.. ليديك المشققتين رائحة التراب وهي تعلن قيامة الخصب.. ولهما اندياح الأقمار.. ها أنذا أعلن مشهد الفجر على عتبات ابوتك قامات من الزيت المضيء.. وقصائد من الجلنار..
ثم يكمل شعراً مموسقا:
قال لي.. أن هذي الحياة تعلمنا أن للكون أسرارا.. أن للمرء قيمة حين يسعى إلى سدرة العلم باسقة.. قد يحمّلني القولُ اوزارَ من رحت ألبسُهم عريَهم.. قد يلوّح لي.. أن توقف عن السهو.. أشعل قناديل من أبحروا للبعيد.. أستعد لعودتهم.. لا تكن سيء الظن بالبحر.. أمواجه فسحة للشراع تحمّله حلم من أغلقوا باكراً دفتر العمر.. ياشعر أنى… ويتركني عالقاً في حنين الضفاف..
يكمل شاعرنا قصيدته ذات النفس الملحمي.. بما يشبه الشعر السير ذاتي:
قال أصعد.. صعدتُ.. نجوم يرتبها كي تصير كتابا.. فتسمو لى قبة الضوء نشوى…. قال.. اقرأ إذن كل ما في الكتاب.. أيها الشعر احمل لنا بعض نبضاته الغالية..
يستعرض الشاعر تفاصيل حياة في خطاب أبيه المفترض.. فيشير إلى زيتونة نقشت اسمها فوق كفيه.. وإلى الفحم بعد أن يشتعل كيما تصوغ مطارقه معولاً.. وإلى القمح ومنجل الحصاد.. ويصل إلى مواجهة أبيه للغزاة مع خاله الشيخ.. يقول:
قوموا إلى كتب الصف.. والكتب الجالسات على الرف.. هيأتها كي تكون سلما..
ويعرض الشاعر لنا صورته كأنه يراه وقت كتابة القصيدة:
تلك بسمته وهو يبصرنا قادمين.. هو ذا صوته.. هي ذي نظرة.. كان حملنا نحو أحلامه..
في هذه القصيدة يلخص صالح فلسفة الحياة في فلسفة شعرية، ينسبها لأبيه، كمن يقول هذا إرثنا، ونحن له حافظون.. إرث الحياة الأخلاقية.. وإرث الثقافة وأخلاقها..
في هذه القصيدة يبدو شاعرنا كمن يلخص مسيرته في قصيدة طويلة كما فعل كتاب وشعراء كبار.. مثل فايز خضور ومحمد عمران وغيرهما.. وهو ليس تقليداً لهما بالتأكيد.. لكنه نزعة الشاعر الأصيل الذي يريد دوما تقديم حياته بالشعر.. وتقديم الشعر بما يشبه السيرة الذاتية..
صالح سلمان الذي محض الشعر جهده ووقته وعقله، فارتقى به شاعراً عرف كيف يوظف الشعر في تقديم عالمه الفكري والثقافي والفني، ويوظف مفردات الطبيعة والكون في قصيدته، نجح في إقامة علاقة وجودية بينه وبين الشعر، علاقة جدلية تصل بين روحه وعقله وبين القصيدة، ويدوران معاً في تبادل هذه العلاقة وجوداً وعدماً، يكبران باتحادهما..ويأنسان لتوافقية المقام العالي للشعر والشاعر.

آخر الأخبار
درعا.. القبض على عصابة قطاع طرق الشرع يبحث مع ملك البحرين في المنامة العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية تشكيل مجالس علمية في مشافي حلب   الاحتلال يقصف خياماً للنازحين.. والأمم المتحدة ترفض خطة المساعدات الإسرائيلية الأمن العام يعزز تواجده على أتوتستراد دمشق - درعا رفع كفاءة كوادر وزارة الكهرباء في مؤتمر "نهضة تك".. وزير الاتصالات: نلتزم بتوفير بيئة تقنية ومنظومات رقمية تخدم المجتمع France 24: إضعاف سوريا.. الهدف الاستراتيجي لإسرائيل فيدان: مبدأ تركيا أن يكون القرار بيد السوريين لبناء بلدهم "أوتشا": الألغام ومخلفات الحرب تخلف آثاراً مميتة في سوريا الرئيس العراقي: القيادة السورية من تحدد مستوى المشاركة في القمة العربية مؤتمر "نهضة تك" ينطلق في دمشق.. ومنصة "هدهد" لدعم الأسر المنتجة جودة طبيعية من دون غش.. منتجات الريف تصل المدن لدعم الصناعة السورية.. صفر رسوم للمواد الأولية أرخبيل طرطوس.. وجهات سياحية تنتظر الاهتمام والاستثمار مركزان جديدان لخدمة المواطن في نوى وبصرى درعا.. تنظيم 14 ضبطاً تموينياً اللاذقية: تشكيل غرفة عمليات مشتركة للسيطرة على حريق ربيعة الشعار يبحث تحديات غرفة تجارة وصناعة إدلب شراكة لا إدارة تقليدية.. "الإسكان العسكرية" تتغير!