الثورة أون لاين – فاتن أحمد دعبول:
بعيداً عن سوداوية الحرب وبشاعتها، استطاع الإعلامي والتشكيلي أديب مخزوم أن يخلق عالماً من الفرح ملأ صالة الرواق التي احتفت بلوحاته ال47 المتفاوتة في الحجم بين الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، والتي جعل منها جسر عبور بين الفن التشكيلي وعالم الأزياء، كانت المرأة والزهور القاسم المشترك فيها.
تناول مخزوم في لوحاته المرأة بلباسها العصري الأنثوي الذي يظهر من خلالها مفاتنها، ويعمل على إشراك الزهور في كل لوحة ليزيد من عبق لوحاته التي تكاد تفوح من أرجائها عبق أريجها، في محاولة جادة يجسد من خلالها العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين الفن التشكيلي وخطوط الموضة الحديثة، تيمنا بمسيرة المصمم العالمي” إيف سان لوران” الذي كان يقول” أستوحي أزيائي من لوحات بيكاسو”.
وفي جولة في معرضه الذي حمل عنوان” المرأة والأزياء في فضاء التجريد” يحضر البحر وقواربه لانتمائه إلى مدينته البحرية” طرطوس” مرتع طفولته وفتوته، وإلى المناخ اللوني المتوسطي والذي ترك أثره واضحاً على العديد من لوحاته في مراحله الفنية كافة.
ويبدو أن للموسيقا تأثيرها في حياته التشكيلية، وهذا ما يتضح في العديد من لوحاته التي تمثل العازفين والآلات الموسيقية، في إشارة منه أنه العاشق الأبدي والمتجدد للموسيقا والغناء الراقي الخالد.
ومن يتابع المعرض لابد سيتوقف مليا عند لوحات تمثل الطيور وخاصة العصافير بألوانها الساحرة، تحل ضيفة على معرضة لتكتمل صورة الجمال” المرأة، الزهور، الطيور ..” واللافت أن طيوره تنعم بالحرية، وتحلق بعيداً عن أقفاصها في إشارة منه أن الحرية قيمة عليا لا يمكن أن تضاهيها قيمة أخرى.
يعتني الفنان التشكيلي أديب مخزوم باللون ويترك بصمته الواضحة في أسلوبه، ورغم أن المرأة تشكل عنصره الأساس في اللوحة، لكن لوحاته تندرج عناصرها المرسومة بين التصريح والتلميح، وكلها مجسدة على خلفيات لونية تجريدية ومتداخلة معها، والحركات اللونية السريعة الموضوعة على سطح اللوحة، بفرشاة عريضة تبدو بمثابة توقيع له، وهي التي تمنح لوحاته خصوصيتها، وتبعدها لمسافات عن اللوحة الواقعية التقليدية.
و يجمع في تجاربه الفنية ما بين طقوس الإشارات الواقعية والتجريدية، كما لو أن الزمن في لوحاته بلا حدود على حد قول الناقد د. فيصل سلطان، الذي أضاف أن” مخزوم يجمع ما بين ذاكرة الطفولة وتداعيات الصورة الشعرية للطخات اللونية”
ويبين مخزوم أن لوحات معرضه الجديد تحمل ثمرة وخلاصة ثقافته التشكيلية التي كرَّس لها المدى الطويل من سنوات عمره في كتاباته النقدية.
وفيما يخص تقنيته في الرسم يقول: إن معظم لوحاته مشغولة بالأكرليك والزيتي على القماش، وتتميز بالتبسيط والتحوير والعفوية المطلقة، والمرأة موضوعي الأساسي والمفضل منذ بداياتي، لأنها الرمز الجمالي التي نستمد من حيواتها معنى الجمال، فهي الأرض والوطن والملاذ الآمن في الظروف كافة.
ويرى مخزوم في رؤيته للمشهد التشكيلي أنه رغم الظروف القاسية، وارتفاع تكاليف العمل الفني وقلة الاقتناء وعزوف الناس عن المعارض، استطاع المشهد التشكيلي أن يكون حاضراً، ولم يتوقف طيلة سنوات الحرب وفي عزلة الكورونا، بل بقي حياً والشاهد الحي على عصره.
له العديد من المعارض والندوات التكريمية، دخلت بعض لوحاته ضمن مقتنيات دار الأوبرا ووزارة الثقافة واتحاد الفنانين، عرف بمتابعته الموسيقية وأرشفته الموسيقية، ويملك أكثر من ألف أسطوانة قديمة لكل أنواع موسيقا الشعوب