الثورة أون لاين – فاتن حسن عادله:
صفعة إيرانية جديدة وموجعة لسياسة العقوبات الأميركية التي تفرضها واشنطن على طهران، فالموافقة على قبول عضويتها في منظمة شنغهاي للتعاون هو كسر للحصار الأميركي المفروض على هذا البلد المقاوم والصامد في وجه مراهنات الغرب عليه منذ عقود.
تتوهم أميركا أن بانسحابها من الاتفاق النووي الموقع بين طهران والقوى الكبرى عام 2015 ستحشد دول العالم لحشر إيران في نطاق العزلة الدولية وفرض المزيد من العقوبات الجائرة بحقها، متجاهلة أن ثمة دولاً أخرى تناصر حقوق الشعوب وتدعم قضاياها العادلة وفقاً لمبادئ الشرعية الدولية، ومن هنا فإن قبول عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون هو رد واضح على سياسة التحشيد الأميركي والغربي ضد طهران، كما تتوهم الولايات المتحدة ومعها حلفها الأطلسي أنهما بحصار الشعوب بلقمة عيشها وحياتها وزيادة معاناتها يدفعونها للتخلي عن السير والتقدم نحو المستقبل، فإذا بها تنهض من رحم هذا المخاض العسير المفتعل غربياً إلى قوة اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية وسياسية جبارة، وبسلسلة تحولات استراتيجية دافعة نحو عالم ومنظمات تسعى للتعاون ومستعدة لتقبل تعدد القطبية ومؤمنة بتكاتف الأيدي من أجل أمن وسلامة واستقرار شعوبها، وهذا حال إيران.
فالتوجه شرقاً هو أحد أهم الخيارات وأكثرها فعالية واستراتيجية في ظل هذا الإرهاب الأميركي، وهو ما كان من ضمن الرؤية الإيرانية لمواجهة الحصار الأميركي الغربي المتشدق بديمقراطية زائفة.. ديمقراطية شعارات مهمتها قتل الإنسان ونشر الفوضى والإرهاب والانقسام والتضليل والحصار والعقوبات والحروب.
إيران اليوم توجهت شرقاً، وقد اخترقت الحصار وأذلّت العقوبات، وستصبح عضواً دائماً بمساندة روسيا والصين اللتين يراهما الغرب عدواً له فما بال الأخير يفعل؟! وقد بدأت جدران حصاره وعقوباته تتشقق وتتصدع وقريباً ستنهار أو ربما يبدأ الحلف “بأكل” دوله في ظل ما بتنا نشهده من صراعات على المصالح آخرها صفقة الغواصات النووية الفرنسية وما آلت إليه هذه الأزمة من سياسة كشفت عن حالة تصدع عميقة وأن الأمور ليست كما تبدو للإعلام!.
إنه أول إنجاز دولي خارجي- إن صح التعبير- لحكومة الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، وخطوة مهمة في سياق التطور والتعاون الدولي المؤمن بحقوق الشعوب واستثمارها لطاقاتها بعيداً عن سياسة العنجهية والاستبدادية الأميركية ومصادرة حرية الرأي والتعبير.
ولعل في تحدي الرئيس الإيراني للإرهاب الاقتصادي الممارس ضد بلاده ما يؤكد ذلك عندما بين أن “العالم دخل حقبة جديدة وأن الهيمنة والأحادية إلى زوال، وأن النظام العالمي يتجه نحو التعددية وإعادة توزيع القوى نحو الدول المستقلة”، موضحاً أن “العقوبات الأحادية لا تستهدف بلداً واحداً، بل تطال الدول المستقلة بشكل أكبر، وخاصة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي”.
هذه الخطوة الجيوسياسية اقتصادية التي أعلن عنها الجمعة الماضية في العاصمة الطاجيكية دوشنبه خلال قمة للمنظمة، كانت موضع ترحيب كبير وواسع أيضاً من الداخل الإيراني ووسائل إعلامه التي أفردت على صفحاتها أهمية هذا الإنجاز ودلالاته وتعزيزه لمواجهة الحصار الأميركي الغربي، وما لذلك من انفتاح على كبرى الأسواق العالمية.
هي مفاجأة سياسية روسية صينية مدعومة توافقياً من بقية دول المنظمة لعضوية إيران فيها، مفاجأة مدوية ربما لم تتوقعها أميركا في ظل عقوباتها القائمة والتي تقف عائقا أمام هذه الموافقة.. لكنها الحقيقة التي بدأت تتحول إلى واقع ملموس ستنعكس نتائجه على المدى المنظور باعتبار أن لا وقت لإضاعته بل لاستثماره نحو الأفضل والأرقى والأسمى.
إنها ليست نجاحاً دبلوماسيا جديداً لإيران وحسب، بل هي صفعة صينية روسية قوية لأحادية الغرب اللاهثة وراء استغلال الشعوب واستثمار الحروب.
هنا يكمن الفرق الجوهري بين منظمة شنغهاي التي تسعى للتعاون وتوسيع نطاقها وبين مجموعة السبع التي روجت في اجتماعها الأخير قبل أشهر لممارسة المزيد من الإرهاب الاقتصادي والسياسي على الصين، فشتان ما بين الاثنتين، هنا شرق متمسك بتطلعاته، وهناك غرب متمترس خلف إرهابه.
يذكر أن دول المنظمة تمثل نحو 60 % من مساحة أوراسيا، بنحو 50 % من سكان العالم، وتنتج أكثر من 20% من اقتصاده، وأن حجم التبادل الاقتصادي بين إيران ودول المنظمة وصل نحو 28 مليار دولار خلال (آذار 2020 – وآذار 2021).