الملحق الثقافي:بديع صقور:
اليومُ الأزرق…
حشدٌ من الأغاني، وثوبٌ من ليلك
الدربُ إليها يتسربلُ بالخضرةِ والبراعم…
قبل أن تغرب الشّمس عن الوديان
قبل أن تأوي إلى بيتها وراءَ خليجِ السويدية
تبدأ زينتها استعداداً لاحتفالاتِ عرائسِ الكروم…
قلبها يختلج، فتتورد وجناتُ الجبال.
دفقٌ من أشعارك…
هذا النبيذ يشعُّ حنيناً ودفئاً
«قبلان» و»شاهين»(1) يرافقانك في الطريقِ الصاعدِ بين التلال…
وهبوطاً نحو الوادي العميق
هذا بيت صديقنا «أواديس»(2) ابن» وقف لي» (3)
التي وُلد فيها، ولم يغادرها منذ ستة وتسعينَ عاماً…
أي منذُ ولادته…
«أواديس» ابن الستة والتسعينَ يفتحُ البابَ مرحِّباً
«شاهين» و»قبلان» بصوتٍ واحد:
– عمنا «أواديس»، صديقنا من الوطن.. من بحرِ اللاذقيّة
يردَّ «أواديس»:
– مرحباً بكَ يا بُنيّ… أهلاً بكَ في بيتِ عمِّك «أواديس»
يطلقُ تنهيدة حرى:
– منذ ستة وتسعين عاماً… هنا ولدتُ في «وقف لي» ولم أغادرها…
أبعد مكانٍ كان رأس الجبل أو في الغابات المجاورة، هرباً من «الجندرمة» وقت كانوا يداهمون «وقف لي» لسوقِنا إلى الحربِ أو السخرة…
يتابع العم «أواديس»:
– هذا جبل موسى، وهذه عين موسى، وهذه الدلبةُ الكبيرة، دلبة موسى، هكذا يقولون…
– من هنا مرَّ موسى؟..
– لا أعلم… أنا لم أشاهده… أبي وجدّي لم يشاهداه… يقولون مرَّ من هنا… شربَ من العينِ وغرزَ عصاهُ إلى جانبها.. قد تكون مجرّد حكاية… رواها أحد التابعين لموسى؟… قد!..
– عم «أواديس»، العصا إذا زُرعتْ، هل تخضرُّ وتصيرُ شجرة؟.
– يقولون زرعَ عصاهُ وصعد إلى الجبل الذي سُمّي باسمهِ فيما بعد.
/هنيئاً للكثيرين من الأنبياء، لأن حظوظهم أكبر من حظوظنا؟!.. آه! ما أقلّ حظوظنا نحن الفقراء المساكين؟!/..
قبيل الغروب، ودّعنا العم «أواديس» وقرية «وقف لي» التي درج فوق ترابها حجلاً بريّاً… منذ ستة وتسعين عاماً… متمنياً علينا الرجوع إلى «وقف لي»، إذا ما سمحَ العمر له بالبقاء..
(1) قبلان وشاهين: صديقان من أنطاكية، رافقاني إلى السويدية، لإحياءِ أمسية شعرية هناك، في بيت الثقافة.
(2) أواديس: أحد الناجين من المذابح، التي تعرّض لها أبناء قومه الأرمن، وهو والد صديقهما «أرتين» المهاجر إلى أميركا.
(3) وقف لي: قرية تابعة للسويدية في أنطاكية.
التاريخ: الثلاثاء14-9-2021
رقم العدد :1064