الثورة أون لاين _ فاتن أحمد دعبول:
“كل شيء للوطن، كل شيء للقضية، ليس للروح ثمن، فهي للأرض الأبية” من لم تطربه هذه الكلمات وتحلق به في عالم العشق الأبدي للوطن، وتملأ نفسه حماساً وفخراً بأنه ينتمي لهذه الأرض المقدسة، ولميراث أجداد، مايزال مجده ينبض بالحياة، ويهب الكون أسمى معاني البطولة والتضحيات.
الشاعر صالح هواري يحلق في حضرة الشعر بقصائد تلامس شغاف القلب، ويقف مع الناقد أحمد علي محمد في مختاراته “ولولا عين شكي” التي انطوت على قصائد وأناشيد مترجحة بين العمودي وشعر التفعيلة، في ندوة عنوانها” قراءات نقدية في تجربة الشاعر الكبير صالح هواري” في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، أدارها د. إبراهيم زعرور.
يقول هواري معبراً عن سعادته بتسليط الضوء على تجربته الشعرية، من قبل ناقد حصيف، خبر معنى النقد الحقيقي بمعاييره كافة:
سعيد جداً اليوم لتسليط الضوء على تجربتي الشعرية، ومن الأهمية بمكان الإضاءة دائماً على التجارب الشعرية الحقيقية، والقامات الأدبية السامقة، بقراءات نقدية موضوعية، ليأخذ الأدب مكانته بين النجوم، وفي الحياة التي تستحق أن تخلد.
وأضاف نحن اليوم بأشد الحاجة إلى الشعر الحقيقي الذي يعبِّر عن أحوالنا وقضايانا التي نعانيها، فللكلمة فعل الرصاصة، فهي ليست حروفاً وحسب، بل هي مصوغة بكل ما يحمله الوجدان من مشاعر وإحساس بالمسؤولية، والشعر إن لم يأخذ دوره، فلا يسمى شعراً، لأن الشعر الحقيقي هو الذي ينبع من الوجدان الشخصي، ليصب في الوجدان العربي.
أما رسالة الشعر الأولى فهي أن يصل إلى الناس، ويضرب على أوتار أوجاعهم، لأن للشعر رسالته المقدسة من الشاعر نفسه، وعليه أهيب بزملائي الشعراء أن يواصلوا مسيرتهم الأدبية الشعرية في خدمة الوطن والمواطن، وأن يشيروا إلى سلبيات المجتمع، وأن يتوقفوا عند الإيجابيات، ليأخذ الشعر دوره الحقيقي في الحياة.
* روح متوثبة
ويبين الناقد د. أحمد علي محمد أن روحا متوثبة تنبعث من قصائد الشاعر صالح هواري، وكلها تشي بروح طفولة مبهجة تتسرب مع أغانيه من خلال إيقاعات اللغة أولا، لأنه ممن دعم لغة الشعر بالعبارات التلقائية والمسكوكات الكلامية بعد معالجتها إيقاعياً، يضاف إلى ذلك إفراغه زاداً عاطفياً على التراكيب حتى ترى كلماته ناطقة، وقصائده مترعة بأنفاس العاطفة.
ويضيف بدوره أن الشاعر الهواري صاحب تكنيك شعري يستحيل علامة أسلوبية فارقة لشعره كله، هذا ويتميز شعره بعناصر ثلاثة جوهرية، أولها التكثيف المعتدل دون بلوغ الضغط العالي على العبارة الشعرية، لذلك نراه انسيابياً في اللغة، رقراقاً في التركيب.
أما الأمر الثاني فهو تحويله المستهلك الكلامي الشفاهي إلى لغة شعرية، وهذا يشكل علامة أسلوبية فارقة لشعر الهواري، ويضاف إلى ذلك العنصر الثالث وهو الانتهاك اللغوي المقصود، ويقصد به توالي الصيغ الفاعلة كقوله باختيارك أنت، فالكاف للخطاب، وهي ضمير وأنت ضمير المخاطب.
ويتوقف د. أحمد علي محمد عند تميز الشاعر في قصيدته:” قف عند حدك” ومنها نقتطف:
قف عند حدك لا تجازف، أو فجازف .. مت أو لا تمت إلا كسهم الضوء واقف
في بيت نارك طلقة تسعى وأنت بسرها عارف
نحو الدريئة قم وسدد
ستخسرها إذا ارتجفت يداك على الزناد وأنت خائف.
فقوة النص تكمن في التراكيب وتقنية النظم، والتحكم بالإيقاع، فالهواري هنا مايسترو الأصوات ومهندس بارع في التوزيع، يخبىء الأصوات المزلزلة إلى نهاية كل بيت والتي تشكل لوازم إيقاعية تنتهي بالكلام نهاية طبيعية كالمولد التام.
* الأدب الحقيقي..
د. محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب عبَّر في مداخلته عن أهمية العناية بالأدب الحقيقي، فقال:
نحن نعاني من مشكلة كبيرة في المشهد الثقافي، وهي افتقادنا للشعراء الحقيقيين، والنقاد الحقيقيين، وهذه مسؤولية تقع على المؤسسات الثقافية كافة، وللأسف هناك من يسعى إلى تعويم من لا علاقة له بالأدب والشعر والنقد، وهؤلاء أغلبهم من الكتاب والشعراء الحقيقيين لكنهم يذهبون باتجاهات أخرى.
والشاعر صالح هواري شاعر حقيقي، شاعر الأصالة والأمل، وما أحوجنا إلى شاعر بقامة صالح هواري، ونصوصه الشعرية التي تجذرت في مناهجنا الدراسية والإذاعات، وهذا ما يجب أن نشتغل عليه، لأننا بذلك نعمم الأصالة والانتماء، ونحافظ على الشباب حتى لا تجرفهم تيارات الاستسهال والمنابر المزيفة