الملحق الثقافي:شهناز صبحي فاكوش:
يرمِّمُ المهندسون آثاراً، يلملمون مواطن جمالها، ليبرزوها حيَّة كما صُممت في الأصل.. وقد يبدع صائغٌ فنان بترميمِ قطعةٍ ذهبية تلفت الأنظار.. لكن، كيف يرمّمُ المرءُ ذاته المتعبة، التي أرهقتها الحرب، وتركت فيها ندباً وشروخاً قد لا تزول؟!..
هل يمكن صياغة امرأة أو رجل، يكون مثالاً جميلاً بطبيعته؟.. ببساطة نعم.. عندما يتحلّى بمنطوقٍ جذابٍ يفوح طيباً، وترى عيناه الجمال في خلق الله، ونفوس البشر، ويقتسم رغيفه مع طفل جائع، ويلمسُ وجهه يد غضّة لطفلٍ صغير يقهقه ضاحكاً..
مع اكتمال الصورة، تبدأ العناية بالذات، فتنمو الثقة بالنفس.. والشعور بأن الرفقة الطيبة والصحبة المحبة، قادرة على تنصيبه مهندساً مبدعاً، في إعادة تأهيل ذاته وترميم شروخ نفسه بعناية، وعدم التكبّر أو نبذِ أيّ من البشر، فالكلّ خلق الله..
اليقين أن لدى الجميع أذرع تعين، وعلى المرمِّم حُسن مصافحتها، فحياة المرءِ تبدأ من يديه، واحدة بها يزرع ويأكل ويدرء ما يقهر نفسه، والأخرى يعين بها الآخرين، فالجمال الحقيقي لا يكمن في بهرجة ثياب تزيننا، ولا أصباغ تخفي فطرة وجوهنا..
جمال الروح أسمى معايير الجمال، فهو الطاغي على كلّ ما سواه، والأبرع في ترميم هنَّات الآخرين، ليواكبوا بهاء الحبّ والرغبة في الاندماج، مع الصحبة الخيّرة، والواقع كلمّا تطاول العمر، يزداد المرء جمالاً وبهاءَ وثقة بنفسه والآخرين..
في رحلة العمر، لا بدّ أن يجعل المرء من الحذرِ قارب نجاة، يتلمّس الصعود إليه بمهارةٍ عند هبوب العاصفة، ويحذّر من كثرة الوعود، لأنها ستار يتخفّى خلفه غياب صدق النوايا، فعندها يقف الكذب خلف جداره العالي ظناً أنه لا يبين..
في برزخ الأماني والأحلام، تهاجر العقول والقلوب الحائرة، أهي تهوى الحياة بصدقٍ أم تتوارى خلف خيبات الأمل؟!.. لا طعم للحياة بوحدةٍ تتلطى خلف الأبواب المغلقة، لأن قطار الحياة يسير على سكته بقدرٍ مرسوم. علينا ألا نركب قطاراً لا نعرف وجهته، وأن نحسن اختيار اعتلاءِ قطار السلامة مع رفاق وصحبة طيبة.
الجمال يحيط بنا، لكننا لا نحسن أحياناً النظر في آيات خلق الله، وقراءة حتمية الولادة والموت وما بينهما، ويقينُ برزخ الحياة بينهما. في فهمنا لها حصانة للنفس بعيداً عن التيه في ملكوت (الشوق والحنين) فهما عقيدتان في الحب، لا تنحنيان تحت سيف الموت.
معالم الألم تتبدى في نظرةٍ لطفلٍ، أعيى الأطباء علاجه، يحتاج عناية الله كي يشفى. ومعالم خيال الفكر حين نستقل بساط السحاب، لنطير مثل سندباد الأسطورة، فنمسك بالشّمس والقمر معاً، ويمنحنا ضياؤهما الفخر بأننا الأكثر دلالاً في كوننا بشر.
يكمن سرُّ السعادة، عندما تعرف المرأة كيف تكون امرأة يُعتدُّ بمواقفها، وكيف تحسن غرسَ القيمِ كغرسِ زيتونة تثمرُ بعد سنين، حين تزهر القيم في الأبناء والأحفاد.. اسقِ غراسك بماءِ الحب ليكون ثمركَ يانعاً، واضمم جناحيك على أحبتك تعش سعيداً..
لا تستسلم لجرعاتِ التخدير، لأنها تجعلك تحيد عن كلّ جميل.. لا تتقوقع على ذاتك، احرص على ترميمِ نفسك بنفسك واسعَ للرضا، فهو أول طريق (السعادة).. الأسطورة التي لا مكان لها على أرضنا الكروية. القادم لا تذهب إليه لوحدك، خذ معك أحبتك، تجد الطريق سهلاً وقصيراً..
كلما بان لك قبس ضياءٍ اتبعه، لأنه ثقب بابٍ إلى النور. إن وجدت قصراً مشيداً من حجرٍ لابدّ وراء بابه أناسٌ قد لا تُوقد لهم شمعة.. لعلّ الاعتدال الخريفي يمخرُ عبابه، والشّمس فيه بلا حرارة.. لكن من الممكن أن يتساوى فيه الليل والنهار، رمّم نفسك بالجمالِ تجد الوجود جميلا..
التاريخ: الثلاثاء28-9-2021
رقم العدد :1065