الملحق الثقافي:ميثاء محمود:
من أشهر ما كتبه الإنكليزي «هربرت جورج ويلز» في أدبِ الخيال العلمي، قصة «بلد العميان».. القصة التي تحكي عن مرضٍ غريب، ينتشر بين سكان قريةٍ تقع على وادي معزول عن العالم، وقد كان هذا المرض سبباً في جعل هؤلاء السكان، يفقدون بصرهم واحداً تلو الآخر، وهكذا إلى أن أصيبوا جميعهم بالعمى، وباتت كلمة البصر، وكلّ ما يتعلّق بها من كلمات، بعيدة وغريبة عنهم، ولا يعرفون معناها، أو قيمة ما ترمز إليه..
في «بلد العميان» عاش هؤلاء في عزلة عن العالم، ولا صلة لهم بأي إنسان خارج حدود قريتهم.. لكن، تشاء الصدفة أن يدخل إلى واديهم أحد الغرباء المبصرين، فيلاحظ أنهم يمرون من أمامه دون أن يشعروا بوجوده أو يرونه.. يستوقف بعضهم ليسأله عن اسم هذه القرية، ويخبره أنه دخل إليها بالصدفة، وبأنه من بلدٍ فيه الناس يبصرون..
ما أن تفوّه بهذه الكلمة، حتى التفوا حوله، وأخذوا يسخرون منه، بل واتهموه بالجنون الذي اعتبروا أن سبب إصابته به، هو عيونه التي يقول أنه يبصر بها، ولذا وجدوا أن عليهم اقتلاعها من وجهه، ما دفعه للهروب بأقصى سرعته..
بلد العميان هذا، هو البلاد التي يعيش فيها العالم بأكمله، حيث العمى الأخلاقي والإنساني والفكري، وحيث يشعر كلّ أعمى، في أي بلدٍ من بلدان هذا العالم، بأن عليه اقتلاع العيون التي تراه وتواجهه بحقيقته.. الجهل والفساد والتخلف والحقد والشرّ والتعصّب.
إنه «العمى» ذاته الذي قصده الكاتب البرتغالي «جوزيه ساراماغو»، في روايةٍ أشار فيها، إلى أن الوباء الفكري والأخلاقي، وعندما ينتشر في قرية أو مجتمعٍ ما، لابد أن يصيب أهلها بالعمى الكامل، وأيضاً بشكلٍ تدريجي، ينتهي بتحوّل قريتهم أو مدينتهم، إلى بلادٍ لا شيء فيها إلا ويلفّه السواد والفوضى، والخوف والعنف والمأساة..
يبدو أن «ويلز» اختصر ما يعيشه العالم في قصة، و»ساراماغو» أعاد روايتها بشكلٍ أكثر دلالة وتوسّعاً..
هذا ما نعيشه ولكن، ليس في قريةٍ أو مدينةٍ فقط، بل في عالمٍ أعمتهُ الأنانيّة المريضة، والفساد القاتل، والحقد المجرم..
كلّ هذا لم يمنع من وجود من يبصر، كذاك الغريب الذي هربَ في قصة «ويلز» قبل أن يقتلع العميان عينيه، وكتلك التي صارحت زوجها الطبيب في نهاية «العمى»: «لا أعتقد أننا عُمينا، بل أعتقد أننا بشرٌ عميان، يستطيعون أن يروا، لكنهم لا يرون..».
التاريخ: الثلاثاء28-9-2021
رقم العدد :1065