الثورة – ترجمة ختام أحمد:
هل يتحقق ذلك أخيراً؟ هل ينقلب الغرب على إسرائيل؟ أم إننا، سواءٌ أكان دافعنا الأمل أم اليأس، نغرق في أحلام اليقظة؟ الأمر ليس بهذه البساطة.
في شهر يوليو/تموز، وقع عدد كبير من البلدان والمنظمات على إعلان نيويورك، وهو بيان قوي صدر في أعقاب اجتماع رفيع المستوى بعنوان “مؤتمر التسوية السلمية للقضية الفلسطينية”. يستدعي المؤتمر وختامه الجريء نقاشاً أعمق. لكن ما يهم الآن هو هوية الدول المشاركة. فإلى جانب الدول التي لطالما دافعت عن العدالة والقانون الدوليين في فلسطين، كان العديد من الموقعين دولًا دعمت إسرائيل سابقاً بغض النظر عن السياق أو الظروف. شملت هذه الدول، ذات الأغلبية الغربية، أستراليا وكندا والمملكة المتحدة. ومن المتوقع أيضاً أن تعترف بعض هذه الدول رسمياً بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر.
بالطبع، لا يراودنا شكٌّ في نفاق دعم السلام في فلسطين مع الاستمرار في تسليح آلة الحرب الإسرائيلية التي ترتكب إبادة جماعية في غزة. ومع ذلك، فإن التغيير السياسي بالغ الأهمية لدرجة يصعب تجاهله.في حالات أيرلندا والنرويج وإسبانيا ولوكسمبورغ ومالطا والبرتغال، من بين دول أخرى، يُمكن تفسير تنامي الخلاف مع إسرائيل والدفاع عن الحقوق الفلسطينية استناداً إلى أدلة تاريخية. لقد تأرجحت معظم هذه الدول تاريخياً بين القاسم المشترك الغربي ونهج أكثر إنسانية تجاه النضال الفلسطيني. بدأ هذا التحول قبل سنوات من بدء الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة.
ولكن كيف يمكن أن نفهم مواقف أستراليا وهولندا، وهما اثنتان من أكثر الحكومات تأييداً لإسرائيل في أي مكان في العالم؟.
في حالة أستراليا، تُشير التقارير الإعلامية إلى أن الخلاف بدأ عندما رفضت الحكومة الفيدرالية منح النائب الإسرائيلي المتطرف، سيمحا روثمان، تأشيرة لجولةٍ لإلقاء محاضرات. ردّت إسرائيل سريعاً بإلغاء تأشيرات ثلاثة دبلوماسيين أستراليين في الأراضي المحتلة. لم تكن هذه الخطوة مجرد ردٍّ مُتبادل، بل كانت بداية حملةٍ شرسةٍ شنّها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لشنّ حربٍ دبلوماسيةٍ ضد أستراليا.
وقال نتنياهو “إن التاريخ سيتذكر (رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني) ألبانيز على حقيقته: سياسي ضعيف خان إسرائيل وتخلى عن يهود أستراليا”، مستخدما نفس منطق الأكاذيب وتكتيكات التلاعب.
لم يكن غضب إسرائيل مرتبطًا مباشرةً بتأشيرة روثمان، بل كانت مجرد فرصة لنتنياهو للرد على توقيع أستراليا على إعلان نيويورك، وقرارها المُرتقب بالاعتراف بفلسطين، وانتقادها المتزايد للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة. مع أن ألبانيز لم يخاطب نتنياهو مباشرةً، إلا أن وزير الداخلية توني بيرك فعل، وردّ على اتهامات الضعف بجرأةٍ قائلاً : “القوة لا تُقاس بعدد الأشخاص الذين يُمكن تفجيرهم”.هذا القول صحيحٌ ويُدين نفسه، ليس فقط لأستراليا، بل لحكومات غربية أخرى. لسنوات، ولعدة مرات خلال مجزرة غزة، جادل القادة الأستراليون بأن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”.
وبما أن تفجير الناس لا يُصنّف دفاعاً عن النفس، فمن الطبيعي أن كانبيرا كانت تعلم منذ البداية أن سلوك إسرائيل يرقى إلى جرائم حرب. فلماذا إذاً هذا التغيير المفاجئ، وإن كان لا يزال غير مُقنع؟. الجواب مرتبطٌ مباشرةً بالتعبئة الجماهيرية في أستراليا. ففي يوم واحدٍ من شهر أغسطس/آب، خرج مئات الآلاف من الأستراليين إلى الشوارع فيما وصفه المنظمون بأكبر مظاهراتٍ مؤيدةٍ للفلسطينيين في تاريخ البلاد. وعُقدت المسيرات في أكثر من 40 مدينةً وبلدةً، بما في ذلك مسيرةٌ حاشدةٌ في سيدني استقطبت حشداً وصل إلى 300 ألف شخص، وأدت إلى توقف حركة جسر ميناء سيدني.
وقد أظهرت هذه الاحتجاجات، التي دعت إلى فرض عقوباتٍ على إسرائيل وإنهاء تجارة الأسلحة الأسترالية معها، الضغطَ الشعبيَّ الهائلَ على الحكومة.بمعنى آخر، إن الشعب الأسترالي هو من عبّر عن رأيه بصدق، ووقف بشجاعة في وجه نتنياهو ورفض حكومته اتخاذ أي خطوات جادة لمحاسبة إسرائيل. وإذا كان ثمة من يستحق التهنئة على قوته وعزيمته، فهم ملايين الأستراليين الذين يواصلون بلا هوادة نضالهم من أجل السلام والعدالة وإنهاء الإبادة الجماعية في غزة.وعلى نحو مماثل، فإن الأزمة السياسية في هولندا، والتي بدأت باستقالة وزير الخارجية كاسبار فيلدكامب في 22 أغسطس/آب، تشير إلى التغيير الكبير في السياسة الأوروبية تجاه إسرائيل وفلسطين.قال إيدي فان هيوم، زعيم حزب العقد الاجتماعي الجديد في البلاد ونائب رئيس الوزراء: “إن تصرفات الحكومة الإسرائيلية تنتهك المعاهدات الدولية،يجب وضع حدٍّ لهذا الأمر”.
لقد رُسم “الخط الفاصل” بالفعل، وبسرعة، عندما استقال فيلدكامب، ما أدى إلى استقالات جماعية لوزراء رئيسيين آخرين في الحكومة.
لم يكن من الممكن تصوّر أزمة سياسية كبرى في هولندا ناجمة عن جرائم الحرب الإسرائيلية في فلسطين في الماضي.
ما كان للتحول السياسي في هولندا، كما هو الحال في أستراليا، أن يحدث لولا التعبئة الشعبية الحاشدة حول مجزرة غزة، والتي لا تزال تتفاقم عالمياً.
ورغم أن الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين قد حدثت في الماضي، إلا أنها لم تحقق الكتلة اللازمة لإجبارالحكومات على التحرك.
مع أن هذه الإجراءات الحكومية لا تزال خجولة ومترددة، إلا أن زخمها لا يمكن إنكاره.
فقد أثبتت قوة الشعب قدرتها الفائقة على التأثير على بعض الحكومات لفرض عقوبات وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ليس فقط من خلال الضغط الشعبي، بل أيضاً عبر صناديق الاقتراع.
مع أن الغرب لم ينقلب بعدُ كلياً على إسرائيل، فقد يكون الأمر مسألة وقت فحسب.
إن دماء مئات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء في غزة تستحق أن يُغيّر التاريخ تماماً، يستحق أطفال فلسطين هذه الصحوة الضميرية العالمية.
المصدر – ArabNews