الثورة – رولا عيسى:
أصبح من الضروري التمييز بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد غير الحقيقي، إذ يلعب دوراً حاسماً في تحديد مسار النمو الاقتصادي لأي دولة، خاصة إذا كانت تواجه أزمات وتحديات اقتصادية.وفي حديثه الأخير، تناول الخبير الاقتصادي ومدير غرفة تجارة دمشق الدكتور عامر خربوطلي، مفهوم “الاقتصاد الحقيقي” وأهمية التوازن بينه وبين ما يسمى “الاقتصاد غير الحقيقي”. ويأتي الحديث في وقت حاسم بالنسبة للاقتصاد السوري الذي يواجه تحديات كبيرة نتيجة للأزمات المتراكمة.
ما الاقتصاد الحقيقي؟
ويعرف خربوطلي الاقتصاد الحقيقي هو ذلك الجزء من الاقتصاد الذي يعتمد على الإنتاج الفعلي للسلع والخدمات الملموسة، مثل الزراعة، الصناعة، الحرف، والبناء. في هذا النوع من الاقتصاد، يتم خلق قيمة حقيقية من خلال العمل الفعلي والإنتاج، ويتم قياسه عادة من خلال مؤشرات مثل الناتج المحلي الإجمالي والنمو في القطاعات الإنتاجية. ويقول: يشمل الاقتصاد الحقيقي الصناعات التي تُنتج المواد الأساسية مثل الغذاء والدواء، إضافة إلى توفير البنية التحتية مثل الكهرباء والمياه وبناء المنازل، كما أنه يشمل أيضاً تصنيع الأدوات والمعدات وتشغيل المصانع، ويعتمد بشكل كبير على العمل اليدوي والفني وتكنولوجيا الإنتاج.
الاقتصاد الورقي
على الجانب الآخر، يضيف خربوطلي أن “الاقتصاد غير الحقيقي” يشير إلى الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالأصول المالية غير الملموسة مثل الأسهم، السندات، العملات الأجنبية، والعقود المستقبلية. ويتابع: يشتمل هذا النوع من الاقتصاد على المضاربات التي لا تقوم على إنتاج سلع حقيقية أو تقديم خدمات ملموسة. بدلاً من ذلك، يتم تحقيق الأرباح والخسائر من خلال المعاملات المالية في الأسواق المالية. ويشير إلى أن الاقتصاد غير الحقيقي أداة هامة لدعم الاقتصاد الحقيقي من خلال تمويل الشركات وتمكينها من التوسع والنمو، ولكنه يمكن أن يصبح مشوهاً عندما تتحول الأسواق المالية إلى “أهداف” بحد ذاتها، بعيداً عن دعم الأنشطة الاقتصادية الأساسية.
وبحسب الخبير الاقتصادي، في بعض الأحيان، قد تكون الأسواق المالية منفصلة عن الواقع الإنتاجي، مما يؤدي إلى خلق فقاعات مالية. مثال على ذلك أزمة عام 2008، حيث شهد العالم انهياراً مالياً رغم أن العديد من الاقتصادات الحقيقية في بعض الدول كانت في حالة جيدة. هذا الانفصال بين الاقتصادين يمكن أن يؤدي إلى تقلبات حادة تؤثر على الاقتصاد الكلي.
بالنسبة لسوريا، يُعتبر الدكتور خربوطلي أن الاقتصاد الحقيقي العمود الفقري لأي استراتيجية للنهوض الاقتصادي. يشير الدكتور خربوطلي إلى ضرورة بناء قوة إنتاجية على الأرض، تكون قادرة على توفير فرص العمل، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام. ويقول: في ظل الأزمة التي تمر بها البلاد، يعاني الاقتصاد السوري بشكل رئيسي من تدمير واسع النطاق في البنية التحتية الإنتاجية، ويجب البدء في إعادة بناء القطاعات الأساسية مثل الزراعة والصناعة والحرف. ويرى أن سوريا اليوم في أمس الحاجة إلى إعادة ترتيب أوضاعها الإنتاجية، حيث تضررت العديد من القطاعات الأساسية بسبب الأزمات السابقة، وعليه يتطلب الأمر التركيز على تنشيط الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، وكذلك دعم الصناعات التحويلية والاستخراجية، إضافة إلى تشجيع الحرف التقليدية والابتكارية. كما أن إعادة بناء البنية التحتية السكنية والخدمية يعد أمراً حيوياً لإعادة تفعيل النشاط الاقتصادي في البلاد، وفقاً للخبير الاقتصادي.
التحديات والفرص
أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد السوري هو البطالة المرتفعة وضعف التشغيل، إذ يقول الدكتور خربوطلي: لتحفيز النمو الاقتصادي، ينبغي توفير فرص عمل لملايين الأفراد في قطاعات الاقتصاد الحقيقي، وهذا يمكن أن يتم من خلال مشاريع في الزراعة والصناعة والبنى التحتية التي تخلق فرص عمل حقيقية ومستدامة.ويضيف: من هنا، يأتي الدور الهام لاقتصاد الأوراق المالية في دعم هذه القطاعات من خلال تمويل المشاريع وتوفير السيولة المالية.
ويشير إلى جانب ذلك، يبرز دور الاقتصاد غير الحقيقي في استكمال حلقة النمو والانتعاش، إذا تم استخدامه بحذر، يمكن أن يكون سوق الأوراق المالية أداة فعالة في جذب الاستثمارات وتوفير رأس المال اللازم لتمويل المشاريع الاقتصادية، لكن التحدي يكمن في كيفية تحقيق التوازن بين هذين النوعين من الاقتصاد وتفادي الاختلالات التي قد تؤدي إلى أزمات مالية.