الثورة- منهل إبراهيم:
في مراسم تتسم بالحفاوة، استقبل الرئيس الصيني شي جينبينغ قادة كل من روسيا والهند وتركيا وإيران وعشرين بلدا آخر في منطقة أوراسيا، بمناسبة قمة منظمة “شنغهاي” للتعاون.
وتؤكد وكالة الصحافة الفرنسية أن الهدف من هذه القمة هو تقديم نموذج جديد للعلاقات الدولية يكون محوره الصين، يأتي هذا في وقت تحتدم فيه التوترات الجيوستراتيجية وتشتد وطأة الرسوم الجمركية الأميركية.
وتعتبر هذه القمة الأكثر أهمية للمنظمة منذ إنشائها في العام 2001، إذ تعقد هذه السنة في ظل أزمات متعددة تطول أعضاءها بصورة مباشرة، من المواجهة التجارية بين أميركا والصين والهند إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، مرورا بالملف النووي الإيراني.
وبالرغم من أن هناك خلافات داخل المنظمة، فالصين والهند، وهما الدولتان الأكثر تعدادا للسكان في العالم، تتنافسان على النفوذ في جنوب آسيا، وقد خاضتا اشتباكا حدوديا داميا في العام 2020، لكنهما تعملان حاليا على تعزيز علاقتهما خصوصا في ظل الرسوم الجمركية الأميركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على البلدين.
و يدعو عدد من الخبراء إلى التركيز على الصورة التي ستعكسها القمة أكثر منه على نتائجها الملموسة التي تبقى غير مؤكدة.
وفي هذا الصدد يقول المحاضر في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة ديلان لوه: إن القمة تطرح “نموذجا متعدد الأطراف من تصميم الصين مختلف عن النماذج التي يهيمن عليها الغربيون”، مشيرا إلى أن “المشاركة الواسعة تدل على تنامي النفوذ الصيني وقدرة منظمة شنغهاي للتعاون على جذب بلدان غير غربية”.
وتشكل هذه القمة فرصة للصين لاستعراض نفوذها الدبلوماسي وقوّتها العسكرية، مع تقديم نفسها كمركز استقرار في عالم يسوده الانقسام.
ويؤكد خبراء لشبكة الأخبار البريطانية “بي بي سي” أن إعادة إحياء تحالف ثلاثي كبير فعال، وهو ما أعربت كل من روسيا والصين عن رغبتها في تحقيقه، وضم بعض أكبر اقتصادات العالم كأعضاء، سيؤدي إلى مواجهة النفوذ المتصاعد لواشنطن، إلى جانب تحالفات أخرى مثل مجموعة بريكس التي تأسست عام 2006 بين البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
بيد أن الهند تجد نفسها مضطرة إلى الحفاظ على توازن سياسي دقيق للغاية، بغض النظر عن الواقع الاقتصادي الناتج عن الرسوم التي فرضها ترامب، وعليها أيضاً التوصل إلى حلول لمشكلات ثقة عميقة مع الصين.
ويشير الخبراء إلى أن الهند حريصة على الحفاظ على سياسة خارجية مستقلة، بينما لا تزال آثار الاشتباكات الحدودية الدامية مع الصين عالقة في الأذهان، كما يساورها القلق من العلاقة الوثيقة التي تربط الصين بباكستان، عدوها القديم.
علاوة على ذلك، فإن عقوداً من الدبلوماسية الدقيقة التي قرّبت الهند من الولايات المتحدة ستتطلب إعادة تقييم، وربما التخلي عنها، وهو ما قد يكون ثمناً باهظاً إذا قررت البلاد الانضمام بالكامل إلى تحالف ضد واشنطن.
ويتساءل خبير الشؤون الصينية بمعهد سياسات منطقة آسيا نيل توماس: “هل يمثل هذا الاجتماع القمة الأولى لمحور الأنظمة الاستبدادية؟ بحسب وصفه.
ويضيف أن هذا الاتحاد من غير المحتمل أن يدوم طويلاً، نظراً لاختلاف أهداف أعضائه وغياب الثقة المتبادلة بينهم، ويرى توماس أن “حضور بوتين وبيزشكيان وكيم جونغ أون يسلط الضوء على دور الصين بوصفها القوة الاستبدادية الرائدة عالمياً” حسب تعبيره.
وبناء على ذلك قد تمثل أحداث الأسبوع الجاري في الصين استعراضاً قوياً ليس بالضرورة لدور التحالفات كمنظمة شنغهاي للتعاون، وثلاثي روسيا- الهند- الصين، وبريكس في مواجهة واشنطن، بل لتأكيد مركزية الصين في أي من هذه التحالفات مستقبلاً.
وأصبحت كوريا الشمالية أحد أهم حلفاء روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وتؤكد الاستخبارات الكورية الجنوبية ووكالات غربية أن جارتها الشمالية أرسلت آلاف الجنود للقتال إلى جانب روسيا.
إلى ذلك، يشتبه كثيرون من حلفاء كييف في أن بكين تدعم موسكو في حربها على أوكرانيا، لكن الصين تؤكد أنها تلتزم الحياد وتتهم الدول الغربية بإطالة أمد الصراع عبر تسليح أوكرانيا.
وحث الرئيس الصيني شي جينبينغ أمس الاثنين، في كلمته خلال افتتاح قمة منظمة شنغهاي، على معارضة “عقلية الحرب الباردة”، داعيا إلى نظام عالمي قائم على العدالة ومواجهة الكتل وسياسات الترهيب التي تنتهجها بعض الدول، في إشارة مبطنة إلى الولايات المتحدة.
يذكر أن منظمة شنغهاي للتعاون تضم 10 دول أعضاء و16 دولة لها صفة مراقب أو شريك، وتمثل قرابة نصف سكان العالم و23,5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتقدم نفسها على أنها قوة موازنة لحلف شمال الأطلسي (الناتو).