الثورة أون لاين – تحقيق – سهيلة علي إسماعيل:
ما دفعنا للكتابة في هذا الموضوع عن الآثار في محافظة حمص وما تعرضت له من عبث أدى إلى تدمير وتخريب قسم كبير منها خلال سنوات الحرب الجائرة على سورية هو اكتشاف لوحة أثرية في منزل أحد المواطنين في قرية مريمين (40 كم غرب شمال حمص)، ومعالجة موضوع الاكتشاف من قبل مديرية الآثار في حمص حيث تم وضع حراسة عليها ريثما تتوفر الإمكانيات المادية واللوجستية للتنقيب عنها ورفعها على نحو صحيح ومنهجي، وكان سؤالنا: لماذا يتم التأجيل؟ أليس هناك ميزانية للاكتشافات الطارئة “وهي كثيرة” ؟
* المحافظة على الآثار..
طبعا، لن نتحدث هنا عن الأهمية التاريخية والثقافية والحضارية للآثار، لأنها من المفروض أن تكون معروفة من قبل الجميع، لكن يبدو أنه ما زالت تنقصنا ثقافة المحافظة على الآثار والتعامل معها كقيمة مضافة لخيرات البلد، سواء لجهة جذبها للسياح أو لكونها ثروة لا تُقدر بثمن.
* اكتشافات جديدة وتعويض..
عرفنا خلال زيارتنا لمدير مديرية آثار حمص المهندس “حسام حاميش” أنه في فترة الحرب على سورية ووجود العصابات الإرهابية المسلحة تم اكتشاف لوحات فسيفسائية ضمن المنطقة الأثرية في مدينة الرستن، وبعد خروجهم من المدينة استملكت المديرية منزلين، وتم إدراجهما ضمن خطة المديرية للتنقيب المنهجي ريثما يتم استملاك بقية العقارات، وهناك تعويض مادي لأصحاب المنازل التي يتم اكتشاف لوحات أثرية فيها، وكذلك الأمر بالنسبة للوحة المُكتشفة مؤخراً في قرية مريمين لأنه “والكلام لحاميش” ليس لدى المديرية إمكانيات مادية لأعمال التنقيب، فلوحات الفسيفساء تكلف كثيراً للحفاظ عليها أو رفعها لا سيما إذا كانت ذات أبعاد كبيرة وكلها تقع تحت منازل سكنية مأهولة.. وباختصار لدينا إمكانيات فنية، لكن ليس لدينا إمكانيات لوجستية.
* لا ميزانية للتنقيب الطارئ..
ورداً على سؤالنا عن ضرورة وجود تنقيب طارئ قال: ليس لدى المديرية ميزانية أو خطة، لكن في حال ظهور أي دلائل أثرية نقوم بالتنسيق مع الجهات الخدمية المعنية “مؤسسة المياه- الكهرباء – الوحدات الإدارية” ونرصد أجور العاملين في الورشات الفنية المهنية، ولا يتم رصد أموال للاستملاك، لأنه يعتمد على المخصصات المالية المرصودة لصالح المديرية العامة للآثار والمتاحف المسؤولة عن 14 محافظة، وهي بشكل عام قليلة نسبياً، وخاصة في السنوات الأخيرة.
* خطة لمتحف جديد..
كما أن عملية التنقيب مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوجود متاحف ومتحف حمص لم يعد يتسع لكافة القطع والممتلكات الأثرية المكتشفة والبالغ عددها 114 ألف قطعة أثرية ما جعلنا نضع قسماً منها في مستودعات، وهو ليس حلاً لأن ذلك ربما يؤثر عليها من الناحية الفنية، وهناك خطة لإحداث متحف جديد في حي الوعر، وإن مسؤولية حماية الآثار والحفاظ عليها لا تقع على المديرية فقط وإنما على المجتمع المحلي أيضاً.
* الترميم الإسعافي..
وأضاف “حاميش” أن المديرية أنهت عمليات الترميم الإسعافي لعديد من المباني الأثرية وبالتعاون مع مديرية السياحة، حيث تم مؤخراً رصد 300 مليون ليرة لبيت الزوار في مدينة تدمر من قبل السياحة باعتباره موقعاً سياحياً وأثرياً في الوقت ذاته ولن ينتهي العمل به إلا بحوالي 600 مليون بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء أجور اليد العاملة حيث نضطر في هذه الحالات إلى إعادة الدراسة وتشكيل لجنة لتعديل فروق الأسعار.
* دمار وسرقة للآثار..
تعتبر آثار مدينة تدمر في ريف المحافظة الشرقي من الآثار العالمية، وقد تعرضت لدمار وتخريب كبيرين خلال الحرب. بالإضافة لسرقة الكثير من القطع الأثرية النادرة. وبحسب مدير الآثار فقد تم تدمير المباني الأثرية في “معبد بل” وهو من أهم الأوابد الأثرية في تدمر، “ومعبد بعل شنين”، و”المسرح التدمري”، و”أعمدة الترابيل” وسط الشارع المستقيم، وجزء كبير من “قوس النصر”، و”المدافن البرجية والأرضية”، كما كان هناك عمليات تنقيب غير شرعي في المنطقة الأثرية.
وقد عقدت الدولة اتفاقية مع الإنتربول الدولي لإعادة القطع الأثرية السورية المسروقة.
* تنقيب غير شرعي..
يتابع “حاميش” حديثه عن عمليات التخريب الممنهج والتنقيب غير الشرعي في مدينة حمص خلال الحرب، فيقول أن أغلب التلال الموجودة في ريف المحافظة هي من المناطق التي دخل إليها المسلحون وجرت فيها عمليات تنقيب غير شرعي وتخريب، وهناك مواقع استخدمت فيها آليات ثقيلة كما حدث في “تل الباشا” شرقي مدينة تلبيسة.
* غنية بمواقعها الأثرية..
كما ذكرنا في البداية وبتأكيد المهندس “حاميش” بأن حمص من المحافظات الغنية بمناطقها الأثرية، مثل “تل مملكة قطنة” في قرية المشرفة، و”تل قادش” في قرية البرهانية في ريف مدينة القصير جنوب حمص، وتل الشعيرات” في قرية الشعيرات، وتل بابا عمرو”، و”تل النصر” و”تل علي إدريس”، و”قلعة أسامة بن منقذ”، “قلعة حمص”، و”جورة أبو صابون”، و”شارع بيت رجوب” و”قصر الزهراوي”، والكثير من المباني في حمص القديمة وقد توقفت عمليات المسح الأثري بسبب قلة الإمكانيات وليس بسبب ضعف الإمكانيات الفنية المؤهلة، ولا يتم الاستعانة بالبعثات الأثرية لعدم وجود مختصين يملكون خبرات بالتنقيب أو مؤهلين، بل لوجود اتفاقية مع منظمة اليونسكو بهذا الخصوص.
ونوَّه “حاميش” إلى أن مهمة المديرية في حمص بكوادرها المهنية والفنية هي إجراء الدراسات الخاصة بالآثار وتعيين مواقعها، والتسجيل وفق المعايير الحالية، ومراقبتها لمنع التعدي عليها ضمن الإمكانيات المتاحة.
* ملاك المديرية..
يبلغ الملاك العددي لمديرة الآثار في حمص 120 مهندساً وفنياً، وهو جزء من الملاك العددي للمديرية العامة للآثار والمتاحف في القطر، وما يثلج الصدر وجود فرع في جامعة حلب ودمشق لدراسة الآثار، وتخريج طلاب مختصين ومؤهلين لرفد المديريات في المحافظات.
ولكن وكما أسلفنا تعاني المديرية من ضعف الإمكانيات المادية واللوجستية وهو ما يعيق عملها ويؤثر سلباً على كل ما يخص الممتلكات الأثرية في المحافظة.
* بحاجة لتعديل القانون..
وأخيراً عرفنا أن القانون الخاص بالإتجار غير الشرعي بالآثار، أو التنقيب أو العبث أو التزوير والتقليد والغش وهو منذ عام 1963، ينص في بنوده على تفويض الوحدات الإدارية للبت في الموضوع، ثم إحالة المخالفين إلى القضاء، ويصل التغريم المالي إلى 25 مليون ليرة مع السجن سبع سنوات، مع التنويه إلى القيمة المعنوية لأي قطعة أثرية أو موقع أثري وهي أكبر بكثير من القيمة المادية لأن الآثار تدل على عراقة البلد وحضارته المغرقة في القدم، كما تعطي فكرة عن مجمل الحقب التاريخية المتعاقبة، ويبدو أن مجتمعنا بحاجة ماسّة لامتلاك ثقافة تحض على الحفاظ على الآثار وحمايتها من أي يدٍ عابثة، وعلى المستوى الرسمي وحسب مقتضيات التطور يبدو أننا بحاجة لتعديل القانون بما يتناسب مع الظروف المستجدة وأهمية الآثار