ثمة من يجعل عبارة المصلحة العامة شمّاعة ويرددها على أسماعنا دائماً بمناسبة ومن دون مناسبة ، لدرجة أن هناك من يُنصب نفسه وكأنه هو من يقرر أن فلاناً ضرورة وطنية وفلاناً ضرورة للمصلحة العامة ، وأن القرار الفلاني تتطلبه ضرورات المصلحة العامة وأن هذا المقال الصحفي أو حتى الرأي الشخصي أحياناً يمس الشأن العام ويتسبب بالضرر للمصلحة العامة .. وأكثر من ذلك يحدث أحياناً عندما نريد أن نأتي بشخص ليستلم منصباً نقوم بتفصيل ضرورات المصلحة العامة على قياسه ونعتبره ضرورة وطنية . وعندما نريد أن نتسبب بالضرر أو العقاب لشخص نقوم بذلك تحت عباءة المصلحة العامة . وعندما يتم حجب معلومات عن صحفي يكون ذلك بذريعة المصلحة العامة ، وكذلك عندما تتم المفاضلة بين شخص وآخر ليتبوأ منصباً يتم اختيار أحدهما تحت نفس العنوان .
والسؤال : كيف ومتى يصبح أحدنا ضرورة وطنية ، وخدمة للمصلحة العامة ، ولا يكون غيره كذلك . وهل المصلحة العامة تخضع لمعاينة موضوعية ، وهل قياس هذه المعايير يتم بمسطرة واحدة وموحدة ، وهل خدمة المصلحة العامة أمر واجب على الجميع أم أنه واجب على البعض دون البعض الآخر؟
طبيعي أننا من حيث المبدأ نعرف جميعاً أن المصلحة العامة على المستوى العام مفهوماً واسعاً يدّركه كلّ شخص حسب طبيعة نشاطه وتوجهاته وما يوحي به ضميره إلا أن هذا المفهوم قد يتصف بالغموض وعدم التحديد بالنسبة للآخرين البعيدين عنه .
فالمصلحة العامة هي الغاية ، والهدف منها هو تقديم الخدمة للناس وللوطن. لكن بعض أصحاب الشأن في الجهات العامة وبعض الأشخاص يستخدمون مفهوم المصلحة العامة ويدّعون حمايتها دون أن يتوافر أي توافق على معناها بدقة وماذا يقصد بها ومن الذي يحدد هذا المعنى ووفق أي معايير .
من هنا تأتي أهمية النظر إلى أبعاد هذه الفكرة ومعانيها والدخول في نيات وأهداف المنادين بها ، وكيف يحدد هذا المسؤول وجود مصلحة عامة في تصرّف ما أو قرار ما ؟ والضرورة هنا تقتضي الكشف عن الدوافع الحقيقية ، لذلك نرى ان المصلحة العامة مفهوم متغير ويحتوي على قدر كبير من الاحتمالات والتأويل والمناورة فهو يختلف من اسم إلى آخر ومن وقت إلى آخر ومن ظروف إلى أخرى ، لذلك لا بدّ من البحث دائماً في الدوافع خلف المناداة بالمصلحة العامة وأن نحاول تحديد المصلحة العامة وكيف تتحقق في كلّ قرار وتصرف أو سلوك و في كلّ حالة على حدة ، وأن نتساءل هل جميع ما يصدر باسم المصلحة العامة من قرارات وإجراءات وتغييرات وإعفاءات وحتى عقوبات هو مصلحة عامة؟
ووفق أي محددات أو ضوابط؟
ثم كيف يعرف صاحب القرار أن هذا الشخص مهما تكن مهنته قد أساء للشأن العام ؟
واختم هنا بسؤال ربما يدلل أكثر على الفكرة ويختصر كلّ التساؤلات: بماذا يتحدث الصحفي مثلاً إذا كان سيتجنب الحديث عن الشأن العام ؟ وعندما يقوم بذلك يتسابق المتضررون لاتهامه بأنه يسيء للمصلحة العامة أو الشأن العام ، ويبقى أن نكتفي بهذا القدر من التساؤلات لضرورات المصلحة العامة!.
الكنز- يونس خلف