(نصير شورى ..سيمفونية اللون) عنوان كتاب صدر قبل أيام قليلة عن الهيئة العامة السورية للكتاب بتوقيع الناقد الراحل طارق الشريف، كان قد ألفه قبل رحيله عام 2013 وبقي مخطوطاً عند عائلته إلى أن تم نشره أخيراً بخمس وتسعين صفحة مقسمة إلى ثلاثة فصول، وملحق صور يضم صور 38 لوحة من المراحل المختلفة لتجربة نصير شورى الثرية.
هذا الكتاب هو الثاني الذي يصدر عن نصير شورى هذا العام، فضمن احتفال (أيام الفن التشكيلي السوري) في موسمها الثالث أواخر العام الماضي بالذكرى المئوية لولادة نصير شورى (1920- 1992)، صدر كتاب يحمل عنوان :(مئوية شورى) تضمن، إضافة لسيرته الإبداعية، مجموعة من شهادات الفنانين والمثقفين والنقاد بينهم الناقد طارق الشريف الذي وصف نصير شورى بأنه « علم بارز من أعلام الفن التشكيلي في سورية، ورائد من رواد الحركة الفنية، ومعلّم له دوره الكبير في توطيد هذه الحركة ورفدها بالأعمال الفنية المتنوعة، التي أسهمت في تطوير الرؤية الفنية وتجديدها، ووضع الأسس والمقومات لانطلاقة الفن التشكيلي وتحديثه، وتقديم الفن الأصيل المعبر عن الواقع، وما فيه من موضوعات وأشكال».
طارق الشريف أطلق اسم (أو وصف) جيل الحداثة على الجيل الثاني من الفنانين التشكيليين السوريين، الذي ينتمي إليه نصير شورى ومحمود حماد وفاتح المدرس والأخوين أدهم ونعيم اسماعيل والياس زيات وبرهان كركوتلي ولؤي كيالي ونذير نبعة وسواهم.. وهو الجيل الذي صنع هوية الفن التشكيلي السوري الحديث باستلهامه التراث الإبداعي السوري الثري، وانفتاحه في الآن ذاته على مفاهيم الفن في عصره، فأبدع فناً أصيلاً لا يتقوقع على ذاته، ولا يذوب في غيره. وإلى ذلك اتسم هذا الجيل بالعمق المعرفي، وبالحوارات العميقة في تجمعات سمتها الأساسية الثقافة والإبداع. و يمتلك طارق الشريف الحق بإطلاق الاسم الذي يختار، فقد ركز اهتمامه خلال سنوات طويلة من عمله النقدي التوثيقي حول الاتجاهات الراهنة في الفن التشكيلي السوري أواخر الستينات، وقد عاصر الشريف فناني هذه المرحلة وتعرف عليهم وعلى تجاربهم عن قرب) وتجلّى هذا في كتابه (عشرون فناناً من سورية) الذي أنجزه عام 1969 والصادر عن وزارة الثقافة عام1972 متضمناً مقالات عن عشرين فناناً كتبها بين عامي 1967و 1968. وفي الوقت ذاته تابع بحثه حول بدايات الفن التشكيلي السوري الذي أسس لمحاولته الرائدة لتأريخ هذا الفن، والتي نشرها في مطلع الثمانينات فكانت مستنداً لكثير من الأبحاث والدراسات التي جاءت بعده.
تتحدث الفصول الثلاثة لكتاب (نصير شورى ..سيمفونية اللون) عن المراحل الأساسية الثلاث في تجربته، فيحيط الفصل الأول ببداياته ثم دراسته في القاهرة، ويقدم الفصل الثاني رؤية نقدية لأسلوبه في التعامل مع الوجوه الشخصية والتكوينات الإنسانية والمناظر الطبيعية، فيما يتوقف الفصل الثالث عند مرحلته التجريدية. ويشير المؤلف إلى اعتماد شورى على الألوان في تأليف اللوحة، منذ البداية فأصبح اللون هو المنطلق الأساسي للتعبير الفني، وهو الذي يعطي التشكيلات الفنية الانسجام والتناغم، ويخلق الإحساس بالجمال، ويقدم المتعة للمشاهد ويحسسه بالجمال، ويساعده على قبول العمل الفني والاستمتاع به. وقد بشر بالرؤية الملونة للأشكال، وأغنى الحركة الفنية بلوحات الطبيعة الجميلة، والموضوعات المختلفة التي اعتمدت على اللون، وعبر عن تعلقه بالطبيعة وحبه لها، وتفاعله مع المشاهد المتنوعة التي رسمها، والتي اختزنها في ذاكرته، والتي أصبحت المصدر الرئيسي لكل تجربته. وهكذا أعطى الانطباعية عمقاً حين أضاف إليها حساسية نادرة وغنائية شاعرية هي نتيجة لعالمه الداخلي، وما يملكه من قدرة على اختزان الجمال والتعبير عنه بلغة شخصية متفردة في كل شيء. وأصبح فنان الطبيعة الأول والمعلم الملون الذي يقدم هذه الطبيعة بصدق لا نظير له، ويعكس نفسه عبرها ويتجدد من خلالها، وعبر لوحة تترجم عالمه الخاص، ويقدم فيها الرؤية اللونية لقصيدة تتغنى بالجمال وتنشد أعذب الألحان باللون المموسق المعبر.
وربما أن حديث طارق الشريف عن اللون المموسق هو الذي دفعه ليعطي كتابه الهام ذلك العنوان الموسيقي. وهو ما يترجم في الواقع عمق العلاقة بين الموسيقا والتشكيل.
إضاءات- سعد القاسم