الملحق الثقافي:إلهام سلطان:
صفحاتٌ كتبت سطورها بوجيبِ روحها، روحٌ تتلو علينا حكايا الوطن، الحنين، الغربة، الحب، الهجرة، الانتظار، الأرض، الفقر، الناس المهمّشة، والوجوه المتعبة، والقيمة العليا للشهادة..
هي صفحاتُ الأديبة «ناديا إبراهيم» في مجموعتها القصصية «مرايا الروح» حيث تأخذنا إلى عوالمٍ ساحرة، تقترب من أسوارها وتتمشى على ضفافها، وتستقر على شواطئها.. تُطلعنا على الحزن، الفرح، الألم، القهر، التشرد، ضمنَ مساحات تضعنا أمام المرايا التي تعكس على وجوهنا، مسارات الزمن الغافي وذكرياته الصعبة.
في المجموعة، تحلّق «ابراهيم» مع الشخصيات بإحساسٍ عالي المسؤوليّة، فتُشعرنا وكأنّ كلّ شخصية من شخصياتها، تعيش بيننا ونعرفها، ما يدلّ على تمكّنها من الغوصِ في أعماق النفس البشرية، وإظهار صراعاتها ومعاناتها وقدرتها على مواجهة أعباء الحياة والصدمات، ولاسيما معاناة وصدمات المرأة التي وقفت صامدة تتحدّى وتواجه الأعاصير، فاستحقّت أن تكون الشخصية الأساسيّة في مجموعتها.
أيضاً، رسمت ويلات الحرب وما تركتهُ من مآس وآلامٍ وموتٍ ودمار، فقد بيّنت في قصة «ما فعلته الحرب»، كيف تمزّقت الأسرة الواحدة، بين موالٍ ومعارض، إضافة إلى إلقائها الضوء على الهجرة، وما تركته من آثارٍ على المهجرّين، مثلما على العائلة:
«منذ تركت زوجي على أبواب طريق العمر، ولحقَ بموكب المهاجرين إلى دول أوروبية، وأنا لا زلت أكذب على نفسي، بأنه سيعود إليّ يوماً، وهو يخدّرني بضمِّ الشمل..».
لقد أبدعت الكاتبة في لغتها وكلماتها وأسلوبها الشيق، ففي قصة «مرايا الروح» تقول:
«اشتريت لها عربون محبّة هدية غالية، واجتزت عتبات خيبتي وقهري.. زرعت في أفقي المعتّم زنابق الفرح والأقحوان، وشقائق النعمان..»..
أيضاً، رسمت ملامح قصصها بدقّة، وبطريقةٍ تُشعر القارئ وكأنه أمام مشهدٍ سينمائيّ، حيث الخيال الخصب، والتفاصيل الملفتة:
«كان الطريق إلى مكانِ سكنها طويلاً، أزهار الدفلى ذات اللون الفوشي، على جانبي الطريق، تثير في قلبي أفراح العالم، أراها ساحرة كما لو أنها جوقةٌ من النساء اللواتي جئن ليغنين، لمواسمِ الخصب وأعياده القادمة..».
وفي قصة «غربة» استطاعت أن تضعك أمام مرارةِ الغربة الحقيقيّة، تلك التي تسلبك كلّ شيءٍ، لتصبح مجرّد رقمٍ أو لا شيء.. إنه ما حصل مع بطل قصتها الذي وصفت معاناته من مرارة الغربة، فكانت صورته وكما رأتها على شاطئ العودة:
«على صخرةِ الرحيل الأولى، جلس يعتصر ثيابه ويتفقّد حقيبة النقود، يطحن ما تبقّى من ذكرى لملامحِ رجلٍ ميت، حاول إسقاط إنسانيته التي لم يعشها إلا في ذلك الوطن.. اقترب منه رجلٌ يشبهه، حتى يكاد يكون صورته، سأله ماذا يفعل وحيداً على هذا الشط، وبين الصخور، فقال: «أنا هنا أنتظر أن تجفّ ملابسي، لأنني قررت العودة الى الوطن»..
«مرايا الروح» مجموعة قصصية، تسرد حكايا الحب والحرب وصراعات النفس البشرية، وتوثّق لفترةٍ هامة من تاريخ سورية. فترة الحرب القذرة التي رمت بظلالها على البشر والحجر.
قصصٌ ممتعة بأسلوبٍ شيّق، تحمل الكثير من الوجع لوطنٍ جريح، وقلوب أضناها الألم، ألم المعاناة وأنين الروح، حتى لدى الطفولة الصارخة لأجلها:
«يا ناس أريد ابني.. ابن ابنيّ ؟؟!
أسف يا أمي، لقد نسيت نفسي في مقهى الانترنت، وأنا ألهو بلعبةِ الحرب، أتدرّب على القتال، وكيف أدافع عن وطني عندما أكبر..» ..
«مرايا الروح» مجموعة قصصية تقع في 122 صفحة من القطع المتوسط، صادرة عن «دار دلمون الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع».
التاريخ: الثلاثاء5-10-2021
رقم العدد :1066