الثورة أون لاين – رنا بدري سلوم :
حين تمتزج خوالج شاعر مع حنكة قاص، نقرأ فنسير في عالم القصة على قدم وقلب، نفرح، نتألم، نندهش ونستكين ثم ننهض لنعاود قراءة قصة جديدة تامّة العناصر بأسلوب شيّق ورشيق ، فمفردات القاص والزميل رياض طبرة في مجموعته القصصية ” أسرار شامية” السهل الممتنع، ناسجا بجوارحه حكايا عاطفية إن صح التعبير، استمد أحداثها من الواقع والخيال في آن، جسدت تلك القصص علائق البشر والانتقادات التي تعيشها، وفي ذات الوقت تحتفي” بالحب سيد المكان والزمان ” فالقاص طبرة لم يعرف حبراً أنقى من دماء الشهداء ليبدأ بها مجموعته الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، فاستذكر أم الشهداء الخمسة الذين رووا ثرى الوطن، وأثنى على من زرع ساقيه كعوسج برّي ومن اقتطعت الحرب أجسادهم في قصته ” موعد” “هناك كثيرون لم تمنعهم الإعاقة التي سببها الحرب من أن يتابعوا حياتهم بذات الروح السورية العالية يا إلهي أقرأ: جرحكم شرف وغصة القلب ونجاحكم فرح للروح، وكأن طبرة يؤكد أنه ” هنيئاً لمن يكتب سطراً غير آبه بما يليه”.
والشتاء في بلاد طبرة وفي قصة “المارد ” لم يتوان عن العبث بالربيع، فجاء صاخباً مرعداً مزبداً لا يريد للبراعم الضعيفة أن تكون، وهكذا قيل عن وباء يستهدف الشيوخ والمسنين، نحمد الله أن الطفولة والشباب أقوى على رد الخطر”. فكنا كما تمنانا طبرة كقراء نفرح بمفرداته كالأطفال ونفكر بها كالعجائز.
ست عشرة قصة قصيرة تطرّقت إلى الوطن، الشهادة ،الجندرية، الظلم، الوحدة، علاقات العالم الأزرق، الهجرة، الوباء، الحبّ، الحريّة فتحدث ببراعة بلسان المرأة في قصة “الورقة الثانية ” هل كان يخشى على مشاعري بعدما عرف أنني تلك المرأة النشاز كلحن أفلت من ريشة عازف في موجة انعتاق من الرتم؟ أم لأنني الخاروف الضال لا أدري كيف يفكر رجل مثله”، فكانت معظم شخصيات القصص نامية تتغير مع الأحداث وتتطور من خلالها، فنتعاطف معها ولاسيما حين تنتهي القصة بالإخفاق.
بينما تميزت القصة الفكاهية في “صدري عقرب” بحبكة قصصية برز فيها عنصر التشويق، ” سارعت بالفرار قبل أن يراني الحكيم فيلتقطني من رقبتي ويريح المدينة من مجنون ، فهي بعدما أصابها ما أصابها من مسّ وجنون من حرب ودمار وخراب ووباء وحظر تجوال باتت أكبر مصدر للمجانين”.
اختار القاص رياض طبرة الشام عنصر المكان الذي تدور حوله القصص، أما الزمان فهو الحاضر والماضي والآت فقد أعاد عقارب الساعة لتنهار وتذوب كل المواقيت والأعمار، ليكتب قصصاً كانت في وقع نفس القارئ وكما أظن كسمفونية عاطفية تعزف كل النوتات وتجتمع فيها كل الأجيال لنقف متسائلين: هل استطاع القاص رياض طبرة أن يفشي بأسرارنا وأسرار الشام؟ كما استنبط الإنسان بقيمه ومبادئه ومشاعره الحاضرة كدمشق وكالنسيم في تشرين؟.