الثورة أون لاين – علم عبد اللطيف:
..ان كتابة السيرة الذاتية في الغرب الاوروبي كمشروع روائي لدى الادباء تحديدا.. يمكن فهمه كامتداد لطقس الاعتراف الكنسي المعروف في المسيحية..وبدلا من الاعتراف امام الكاهن.. يعترفون امام قرائهم..
يمكن ملاحظة اعمال رائدة في هذا المجال لكتاب كبار..على رأسهم ليون تولستوي..الذي بدا كتابه الروائي..اعترافات شبابي..منسجماً مع سلوكه الحياتي في التنازل الطوعي عن الثروة..كحالة صفاء متكاملة ومتناغمة ادبيا مع السلوك..وكرّس ذلك في رواية تعد من اعظم اعماله..
ايضا جان جاك روسو الذي اصيب بعدة اخفاقات في حياته. وقرر مغادرة الادب والفلسفة الى العمل بتنويط الموسيقى احترافيا بأجر..وكان مشروعه في سيرته الذاتية استكمالا لشعوره بعبث مشروعه في الكتابة الفلسفية والاجتماعية وقتها..ووصوله الى حالة يأس من الحياة بسبب الحاجة والفقر..
اما كَتَبة السيرة الذاتية من السياسيين والعسكريين.. فلا يمكن فهم مشروعهم الا من خلال تدوين امجادهم وانتصاراتهم.. كما لدى تشرشل وهتلر وغيرهما..ويبدو هذا النوع من كتابة السيرة الذاتية انتقائياً بشكل اكيد.. فلم يتوخّوا تقديم مصداقية تدوين الحياة كمشروع صفاء روحي..كما لدى تولستوي وروسو.. بل تقديم عبقرياتهم وامجادهم..
اما عندنا.. فهو تقليد.. لكن لا بأس.. ليكن.. لولا ان معظم التجارب اخفقت في تقديم المفترض من فكرة الاعتراف..بسبب انهم أرادوا تقديم شكل جديد فقط يحظى بأسبقية ونجاح فقط في عالم الإبداع..
وحقيقة انهم توخّوا اظهار المصداقية في سرد الرواية بانتمائها لطريقة التفصيل السردي شديد الدقة…وهو امر خطر يمكن ان يفضي الى الحشو السردي الذي لا طائل تحته ادبيا.. ولا مصلحة للقارئ في تتبعه.. وتتعلق بفلسفة نقل الواقع روائيا..او احالة الواقع الى السرد الروائي..
تبقى تجربة صنع الله ابراهيم في رواية اللجنة.. و موسى صبري في رواية حادثة النصف متر.. واميل حبيبي في سعيد ابي النحس المتشائل..على جانب من التميز ومختلفة بنائيا عن تجارب الاوربيين فبناء السرد لا يتقيد بضمير الانا المتكلم دوما مع ان العمل يبدو سيرة ذاتية بشكل او بآخر.
اما تجربة فواز حداد في روايته صورة الروائي.. فهي جديدة في تقديم الذات بطريقة تقسيمها وشطرها.. ومواجهة كل شطر لصنوه..بنواقص كل منهما التي يكملها الآخر.
اما تجربة نجيب محفوظ التي لم تكتمل بنظر النقاد.. فكانت من ضمن مشروعه في تقديم فكره السياسي بصراحة تامة بعد ان حاول تقديمه في رواياته قبل ذلك بطريقة مواربة.. في ثرثرة فوق النيل وميرامار.. كما فعل توفيق الحكيم في عودة الوعي بعد انتهاء المرحلة الناصرية.