الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
تمر اليوم ذكرى أليمة مضى عليها 104 أعوام ومازالت محفورة في الذاكرة العربية ومستقرة في الوجدان العام، إنها ذكرى وعد بلفور المشؤوم الذي كان مفصلاً تاريخياً في ضياع فلسطين صاحبة الحضارة والتاريخ العريق.
فهذا الوعد المشؤوم الصادر في الثاني من تشرين الثاني 1917م من قبل “آرثر جيمس بلفور” وزير خارجية حكومة بريطانيا آنذاك تضمن رسالة موجهة إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية آنذاك تمنح فيه فلسطين العربية كوطن قومي لليهود في العالم، وذلك في إطار حماية المصالح البريطانية في المنطقة، لتتحول ذكرى الوعد المشؤوم إلى يوم أسود في تاريخ فلسطين والأمة العربية، حيث ما زال جرح فلسطين ينزف دماً من الوريد إلى الوريد جراء ارتكاب بريطانيا هذه الجريمة البشعة بحق أبناء فلسطين.
جاء في نص الرسالة “تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر”.
وقد عرضت الحكومة البريطانية نص تصريح بلفور على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، كما وافقت عليه كل من فرنسا وإيطاليا رسمياً سنة 1918.
إثر ذلك اتخذت الحركة الصهيونية من الوعد المشؤوم مستنداً لتدعم به أطماعها المتمثلة في إقامة دولة صهيونية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على وطن، رغم أن هذا الوعد أعطى وطناً لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين.
فقد كان عددهم في فلسطين وقت إعلان الوعد، نحو 5% من عدد السكان الأصليين، حيث كان عددهم فقط نحو 50 ألفاً، من أصل ملايين اليهود المنتشرين في دول العالم، في حين كان عدد سكان عرب فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز 650 ألفا من المواطنين، فعمل الوعد المشؤوم على شطب حقوق الأغلبية المتجذرة في الأرض، مقابل أقلية استقدمت من الخارج عبر هجرات غير شرعية.
ومثل وقتها الوعد المشؤوم أولى عمليات الدعم السياسي البريطاني الرسمي لليهود، وشجعت على هجرتهم من كافة أنحاء دول العالم إلى أرض فلسطين، وقامت العصابات الصهيونية في العام 1948، وبمساعدة بريطانيا، التي أنهت انتدابها بشن حرب إبادة على الفلسطينيين العزل وارتكبت بحقهم عشرات من المجازر الرهيبة لتهجيرهم.
لقد جاء هذا الوعد المشؤوم من جهة لا تمت للأخلاق والقيم الإنسانية بأي صلة، ولا تمتلك أي حق بأن تعطي ما لا تملك لمن لا يستحق، حيث استطاع المغتصب الذي من لا يملك ولا يستحق من خلال هذا الوعد المشؤوم أن يقيم لنفسه كيانا على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وذلك بناءً على مقولة عنصرية مزيفة قام بالترويج لها زعماء الحركة الصهيونية مثل ثيودور هيرتزل” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” وبهذا أقدمت دول الاستكبار العالمي لتنفيذ مخططها الشيطاني لإرضاء هذه العصابات الإجرامية لتكون جسماً عدوانياً مزروعاً بجبروت الغرب بالمنطقة ضاربة بعرض الحائط كل القرارات الدولية والشرعية القانونية التي تؤكد ملكية أبناء الشعب الفلسطيني لهذه الأرض منذ آلاف السنين، حيث ارتكب بحقهم أبشع الجرائم والمجازر في القرن العشرين، عبر حملة إبادة جماعية وفردية وترحيل وتشريد من تحت قصف المدافع والطائرات، إذ لاتزال صور ذلك الإرهاب والمآسي التي ارتكبت ماثلة في ذاكرة الفلسطينيين والعرب جميعاً.
لقد دفع أبناء الشعب الفلسطيني نتيجة هذا التآمر الاستعماري ضريبة كبرى حيث عمدت أرضه بدماء الشهداء وتضحيات عشرات آلاف منهم، كي يستوطن شذاذ الآفاق وشياطين الأرض هذه البقعة الغالية من وطننا العربي وذلك على مرأى ومسمع العالم أجمع الذي وقف عاجزاً، مما أعطى هذا الوعد المشؤوم الكيان المسخ حقا باطلاً وغير شرعي في فلسطين، ما يجعل الأمم المتحدة تتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية عن كل ما ترتب على وعد بلفور.
104 أعوام مرت على وعد بلفور المشؤوم والذاكرة الفلسطينية والأمة العربية حبلى بذكريات مأساوية لا حدود لها في ممارسة أبشع صور الإجرام والإرهاب بحق أبناء الشعب الفلسطيني عبر اتباع سياسة الأرض المحروقة والتطهير العرقي وتغيير الواقع الجغرافي وبناء المستوطنات وإقامة الحواجز والجدران العازلة وفرض الحصار وتبني سياسة التهجير الجماعي أو الفردي “الترانسفير” والقمع والتجويع والاعتقالات وهدم البيوت وابتلاع الأراضي ونهب أملاك الغائبين وسرقة المياه وطمس الحقائق التاريخية والسياسة و الدينية وتهويد الأرض والمقدسات.
وتأتي ذكرى هذا الوعد المشؤوم اليوم وشعب فلسطين يعاني الاحتلال وأساليبه الاحتلالية والعدوانية الهمجية، في وقت تتعرض فيه قضيته العادلة لمحاولات تصفيتها عبر مخططات أمريكية وغربية، وهذا ما يفرض على الفلسطينيين الارتقاء لمستوى تضحيات الشهداء والأسرى وتحمل المسؤولية وتحكيم المصلحة الوطنية وتغليبها والإسراع إلى تعزيز الصف عبر توافق وطني ينهي حالة الانقسام ويشحذ الشعب الفلسطيني بكافة عوامل الصمود والبقاء من أجل مواصلة مسيرته النضالية في مقارعة الاحتلال حتى تحقيق أهدافه واستعادة حقوقه المشروعة.