لم يرق لبعض الإعلام الغربي ومن يقف وراءه أن يشاهد فيديوهاً لعمال منظمة الصحة العالمية يرقصون في العاصمة السورية دمشق، واعتبروا قيام المنظمة بنشر الفيديو أمراً مسيئاً لضحايا الحرب الذين قضوا خلال السنوات العشر الماضية من جهة وتطبيعاً مع الحكومة السورية من جهة ثانية.
نستطيع نحن في سورية أن نفهم انزعاج هذا الإعلام ومالكيه من صورة الحياة الطبيعية في دمشق وهم الذين عملوا سنوات لقتل هذه الحياة ومنع عودتها بكل الطرق، لذلك لم يرق لهم الفيديو الذي نشرته المنظمة ويظهر العاملين التابعين لها وهم يرقصون مستمتعين على أنغام موسيقا غربية لينتهي المشهد برفع العلم السوري وعلم الأمم المتحدة معاً.
حجة المنتقدين للفيديو أن الوضع القائم في سورية لا يتوافق مع ما ظهر فيه، فالناس تعيش أزمة اقتصادية والحرب لا تزال مشتعلة بعدة مناطق، لكنهم تجاهلوا أسباب الأزمة الاقتصادية التي يعانيها السوريون وتعاموا عن حقيقة الحرب التي تتعرض لها البلاد وأسبابها والإرهابيين الذين رعتهم وسلحتهم دولهم لقتل الحياة في سورية.
لو صدقت نوايا الإعلام الغربي لكان انتفض في وجه دعاة الحرب ومموليها، وشن حملات إعلامية ضخمة ضد الحصار الغربي الجائر المفروض على الشعب السوري، لو صدق في حرصه على السوريين كان ابتهج لوجود لوحة جميلة لحياة مشرقة انتشرت من دمشق للعالم تظهر استعادة السوريين شيئاً من بهجة الحياة التي حُرم أغلبيتهم منها بسبب هذا الإرهاب التكفيري الذي ضرب مدنهم وقراهم بتمويل عربي وغربي.
لكننا لا نعتب على الإعلام الغربي ونحن أكثر من يعلم ارتباطاته وأجنداته، فيكفي أن نراقب ساحة مجلس الأمن الدولي وكم من المرات التي دعا فيها لاجتماعات حول الوضع الإنساني في سورية خلال سنوات الحرب الإرهابية التي تتعرض لها البلاد، وكم من الموشحات التي نظمها مندوبو الدول الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا حول ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية للسوريين الذين يعانون ويلات الحرب في الوقت الذي ترتكب هذه الدول جرائم حرب بحق السوريين وتمارس أبشع أنواع الحصار ضدهم.
ليس هذا فحسب، بل إن مجلس الأمن والدول الغربية التي تتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان تتجاهل قيام النظام التركي بسرقة مياه الفرات وحرمان أكثر من مليون مدني في محافظة الحسكة من مياه الشرب لفترات طويلة، ولم نر مجلس الأمن يعقد اجتماعاً واحداً من أجل حقوق هؤلاء المحرومين من مياه الشرب.
لا أحد في العالم يدرك حجم المعاناة والعذاب الذي يعيشه السوريون سوى السوريين أنفسهم، فهم من يقف في طوابير الخبز والمازوت والبنزين التي يعشق الإعلام الغربي تصويرها ونشرها كدليل على فشل الدولة السورية في تأمين هذه المواد لمواطنيها، وليس كدليل على نتائج الحصار الجائر الذي تفرضه بعض الدول الغربية ضدهم.
ولا أحد يعلم قوة إرادة السوريين سواهم، فهم رغم ذلك.. نعم رغم ذلك ..يعيشون حياتهم ويذهبون إلى أعمالهم في مختلف الظروف القاسية، يعانون من وباء كورونا ولكنهم يملؤون الساحات والباصات والمعامل، ويعيشون شظف العيش، لكنهم يصرون على إقامة الأفراح وارتياد المطاعم وتسلق الجبال والذهاب إلى الشاطئ، فهذه هي سورية التي ضحى ويضحي أبناؤها كي تبقى وتكون.
نعلم أن مشاهد الفرح لا تروق لمن يخطط لقهر السوريين وكسر إرادة الحياة لديهم، لكن الشعب السوري يدرك جيداً أن ثقافة الحياة والعمل والإنتاج التي تسير بالتوازي مع محاربة الإرهاب ودحره، هي السبيل الوحيد للتعافي والنصر معاً، هذه رسالتنا وهذه حياتنا رغم قساوتها نعيشها ونحياها كما نريد لا كما يريدها لنا الغرب وإعلامه المتصهين.
إضاءات -عبد الرحيم أحمد