لكل زمان صفاته، له الكثير مما يصب في خانة الإنسانية وروح الفعل الذي يبقى خالداً، إذ تسود قيم المحبة والجمال والخير ويكون الإنسان الغاية الأسمى..ألم يقل شاعرنا ميخائيل وهو الحكيم الذي ذاق مرارة الحياة لكنها زادته صفاء وحكمة …
لم تستطع حضارة الغرب التي هاجر إليها أن تسلبه حكمته …يقول نعيمة: كل مافي الوجود ثمين وجميل ولكن أثمنه وأغلاه هو الإنسان.
نعم الإنسان هو غاية ومنطلقها كما قال القائد المؤسس حافظ الأسد..
الإنسان جوهر الكون وغايته وحدهم العظماء يعرفون كيف يظهرون أنقى وأنبل ما في النفس البشرية التي أيضا تخبيء جانباً من التوحش الذي يفوق طبيعة الكائنات الوحشية .
فالتوحش البشري يصبح ذا فنون وألواناً من الأذى الذي لا حدود له.
ويكاد المرء أن يقول إن معظم الصراعات البشرية ناجمة عن التوحش الذي طغى وأصبح سيد الموقف وأظهر أن الإنسان كائن في طبيعته الكثير من الحيوانية التي تحدث عنها ذات مرة الراحل عبد السلام العجيلي ومن ثم اشتق ممدوح عدوان كتابه حيونة الإنسان بهذا المعنى.
واللافت في الأمر انه كلما تقدم العقل البشري في ابتكار التقنيات والوصول إلى آفاق اكثر اتساعا في العلم صار العالم اكثر غربة وتوحشا وغاب الدفء الإنساني عنه .
وكانه قدر البشرية أن تدفع ثمن كل تقدم تقني وعلمي من إنسانيتها لتكون أقرب إلى حالة الاغتراب الروحي وصقيع الحياة التي على كل ما فيها غير قادرة على بعث نبض دفء في قلب انسان أحاطت منجزات التكنولوجيا من كل حدب وصوب.
كل ما يحيط به لخدمته لكنه هو ليس بخدمةانسانيته ولا وجوده الثقافي والروحي.
العالم الازرق أيقظ فينا ما لايمكن تعداده وكل منا تعامل معه حسب ما في العقل والقلب والرؤى ..
اليوم يستعد هذا العالم لقفزة ثانية في المجهول بالنسبة لنا ..فيسبوك يصبح ميتا كاسم وتوجه وتغيير الاسم ليس عابرا بل هو محطة من محطات الهوية التي تتبدل كل فترة من الزمن عند مؤسسيه لكنهم يعرفون إلى أين يمضون وماذا يفعلون وكيف يسلبون كل ذرة إنسانية منا أن استطاعوا إلى ذلك.
التوحش الإنساني من الكلمة الجارحة إلى الطلقة إلى كل سلاح قتل روحي وجسدي هو علامة فارقة لهذا الزمن وكان الشاعر الأحيمر السعدي كان يصف زماننا هذا حين قال:
-عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذ عوى
وصوَتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
– يــرى اللهُ إنـّي للأنيسِ لكـــارهٌ
وتبغضهم ْ لي مقلة وضميـرُ
لم ولن نبغض الإنسان ابدا إنما علينا أن نعمل على إزالة صدأ الروح والعقل والتمسك بما في القلب من مشاعر نبل …كل منا في داخله وحش أو توحش سمه ما شئت عليه أن يروضه لتبقى الأصالة الإنسانية هويتنا …وهذا الترويض ليس بالجنون الذي نراه في العالم كله ..بل دروبه شاقة لكنها الاجمل والابقى .
معاً على الطريق – ديب علي حسن