الثورة أون لاين- دينا الحمد:
لم يكن حديث وزارة الخارجية الصينية بأن “أساليب الهيمنة تحت ذريعة الديمقراطية تؤدي إلى الصراعات العالمية والفوضى الهدامة” حديثاً غريباً، فمشاريع الهيمنة الأميركية على العالم تحت ذرائع نشر الديمقراطيات وحماية حقوق الإنسان باتت تتصدر المشهد الدولي، وتدخلات الولايات المتحدة في شؤون العالم تحت هذه العباءة باتت هي السائدة في يومنا، رغم توجه العالم نحو عصر جديد تنتفي فيه سياسات القطبية الأحادية.
إنها “الديمقراطية الزائفة” كما وصفتها بكين، والتي تحاول واشنطن فرضها على العالم، متجاهلة أن هناك طرقاً وأنماطاً للديمقراطية في مختلف البلدان، ويجب أن تتناسب مع ظروفها الوطنية، ويجب اكتشافها وتطويرها من قبل مواطني الدول أنفسهم، وهى حق يجب أن تتمتع به جميع الشعوب وليس براءة اختراع تمتلكها دول معينة، ولهذا السبب ترى الصين أن الديمقراطية الأميركية الزائفة ستواجه بالتأكيد مقاومة من المجتمع الدولي برمته.
لكن الولايات المتحدة لا تريد رؤية الأمور الدولية إلا بعين واحدة، فهي تريد فرض أنموذجها على البلدان الأخرى، وهي تريد فرض نمطها بالقوة والإكراه والضغط، ومع أن ذلك يعد انتهاكاً تاماً للديمقراطية فإن حكام البيت الأبيض مصرون على سياساتهم الهدامة تلك، والتي أطلقوا عليها يوماً “الفوضى الخلاقة”.
والمفارقة المثيرة للسخرية هنا أن استطلاعاً للرأي أجرته مؤخراً الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية حول مشاكل الديمقراطية في الولايات المتحدة أشار إلى أن الديمقراطية في أميركا نفسها لها مشاكلها الخاصة، ولا يمكن حل هذه المشاكل إلا من قبل الشعب الأمريكي نفسه وليس من قبل دول أخرى، ناهيك عن أن الاستطلاع المذكور أظهر أن 81 بالمائة من الأمريكيين يعتقدون أن الديمقراطية في بلادهم تواجه تهديداً خطيراً.
إذاً هي السياسات الهدامة التي تزعم أنها ديمقراطية، والتي تحاول فرض الرؤية الأميركية على العالم، والتي تضع العصي في عجلات الجهود الدولية لبناء عالم متعدد الأقطاب ويسوده الأمن والسلام، وهي السياسات ذاتها التي تضع الحواجز الاصطناعية بين الدول والشعوب، لأن واشنطن مازالت مقتنعة خطأً أنها القطب الأوحد الذي يسيطر على العالم، ولا تريد منافسين آخرين لسياساتها، ولا تريد العودة إلى طبيعة الأشياء، أي إلى نظام دولي متوازن تحكمه قواعد العالم متعدد الأقطاب.
ويرى العديد من الباحثين أن النظام الاستعماري الأميركي لا يأخذ بحسبانه التطورات والتغيرات الحاصلة في عالم اليوم، ولا يريد أن يرى أهم ملامحه وصراعاته الحالية المتجلية بالتنافس الصيني الأميركي، والتباين الأوروبي الأميركي، والصراع الروسي الأميركي، والعولمة والأزمات الاقتصادية العالمية، وظهور الأسلحة الذكية والحروب غير التقليدية كالسيبرانية.
ويصر هذا النظام الليبرالي على المضي بسياسات العدوان ضد العديد من دول العالم، ونشر الإرهاب على الأرض، وأمثلة ذلك أكثر من أن تعد وتحصى، إنه باختصار سلوك الهيمنة والغطرسة ومنهج العدوان والإرهاب ذاته الذي درجت عليه واشنطن كمنهج ينفذه أي رئيس ديمقراطي أو جمهوري يجلس خلف المكتب البيضاوي ليس إلا.
