الملحق الثقافي:حبيب الإبراهيم:
ثمّة أسئلة يطرحها الأديب أو الكاتب أو الإعلاميّ، حول جدوى الكتابة، وعمّا إذا كان يمكن للكلماتِ المنثورة على الورق، أو عبر الفضاء الأزرق، أو أيّ منبرٍ إعلاميّ آخر، أن تُعطي أُكلها، أو تحقّق أهدافها وغاياتها ومراميها وتوجهاتها، آنيّاً أو في المستقبل؟!.. وهل ثمّة من يقرأ ليأخذ الفكرة والعبرة، ومن ثمّ القرار الصائب؟!.
هي أسئلة مشروعة وصعبة، لا يمكن الالتفاف عليها أو الدوران حولها، مهما كان الأديب حِرفيّاً في كتاباته، وحاذقاً في نقده، وبليغاً في قوله وكلماته.. ولعلّ أهم وأبرز تلك الأسئلة: ماذا نكتب؟.. ولماذا نكتب؟.. وهل الكتابة تعبّر عن معاناتنا وأوجاعنا؟..
أيضاً، هل يستطيع الكاتب كونه الأكثر قدرة ومعرفة بصياغة مشروعه الثقافيّ والمعرفيّ، إيصال أفكاره ورؤاه إلى المتلقّي، وتحقيق عملية التواصل، وإحداث التغيير الإيجابيّ في المجتمع، ضمن واقعٍ يعجُّ بالتناقضات؟!..
الإجابة على هكذا تساؤلات، تدفع بالكاتبِ إلى المزيد من البحث والتقصّي، وطرح القضايا المعرفية والإنسانية، والمساهمة في رسمِ الحلول المنطقيّة والمناسبة لكلّ الإشكالات والقضايا الحياتية، سواء اليومية منها أو المستقبلية.
لا شكّ أن هاجس الكتابة، هو سمة أو خاصيّة لا تفارق الكاتب الذي يستلهم من المعاناة بوصلته الحقيقية، لماهية المنجز الأدبيّ والفكريّ، وصولاً إلى مرافئ المعرفة التي تبدو ضفافها أكثر ألقاً وبهاءً.
إن هواجس الكتابة تلازم الكاتب في حلّه وترحاله، ليله ونهاره، ولا يجد بدّاً وهو يمضي في رحلة البحث، من تطويع إمكاناته وإبداعاته ولغته، في عمليةٍ متناغمة ومنسجمة مع واقعٍ، لا يمكن التخلّص من آثاره وتبعاته المتلاحقة .
لكن، وإن كانت الكتابة تعني بثّ روح الجمال في الكلمة التي هي بداية التكوين، حيث قيل «في البدء كانت الكلمة»، فإن اتّكاء الكاتب على إرثه الثقافي والمعرفي، وذاكرته الحيّة التي لا يمكن أن تشيخ أبداً، يجعله أكثر إصراراً على إعادة تشكيل ما يبدعه بطريقةٍ جديدة وجميلة، وبما يُعدّ مرآة صادقة لذاته ومجتمعه، وهو على ثقة بأنّ ما يبوح به من إبداع ومعرفة، يترجمه شعراً وأدباً وفنّاً، لا بدّ من أن يجد ضالته عند الكثير من الناس، أصحاب المبادئ والمُثل والقيم النبيلة .
وفي ظل الأزمات الكبرى التي تتعرّض لها الأوطان، من حروبٍ وكوارث وأوبئة، يجد الكاتب نفسه في المقدمة، لمواجهة مساحاتِ الخراب المتزايدة التي تطال النفوس والأرواح، حيث تزداد الندوب والأحزان، ولا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال، أن يكون حيادياً أو رمادياً منزوياً مع ذاته، لأن ثقته بدور الكلمة في زرع الأمل والنهوض من جديد، تدفعه لممارسة هذا الدور الإيجابي البنّاء، بكلِّ شفافيةٍ ومسؤولية، أخلاقية ووطنية وإنسانيّة.
الكتابة في النهاية، أيّاً يكن نوعها، هي حياة خالدة، ودورٌ فعّال يجد الكاتب بأن عليه أن يؤديه بكلّ مصداقية وثقة، وأن عليه أيضاً، أن يمضي في دروب الأمل والحياة، مؤمناً برسالته، وفيّاً لإنسانيته، جميلاً بروحه وأدبه، ينثر الضياء، ويمسح الحزن عن الوجوه المتعبة، وهو على ثقةٍ بأن القادم من الأيام، أجمل وأبهى من الماضي والحاضر …
التاريخ: الثلاثاء23-11-2021
رقم العدد :1073