في الوقت الذي كانت عملية تدمير قلب الصناعة السورية في حلب وسرقة مصانعها من قبل النظام التركي وأدواته الإرهابية تتصدر صفحات الإعلام المحلي والعالمي، كانت جزيرتنا الخضراء في الحسكة والرقة ودير الزور تتعرض لحرب هي الأخطر، وهنا لا نتحدث عن سرقة محصول أو إحراق هكتارات من حقول القمح، وإنما تدمير ممنهج لحقول الجزيرة بالتلوث حيناً وبتجفيف موارد المياه عنها بشكل كامل حيناً آخر.
الجزيرة الخضراء التي تغنّينا بها عقوداً من الزمن، قد تصبح غير ذلك بعد سنوات من جراء التخريب الممنهج من عدو في الداخل وآخر في الخارج، فبعد سيطرة الاحتلال الأميركي وميليشيا “قسد” على أرض الجزيرة التي عرفت بخضرتها وخصوبتها بدأت تتعرض حقولها لموجة خطيرة من التلوث مع تدمير الكثير من خطوط نقل النفط من الآبار التي تتوضع فيها إلى المصافي الحكومية في حمص وبانياس، حيث استعاض عنها لصوص النفط وتجاره ومهربوه بآلاف المصافي البدائية التي ترسل مخلفاتها السامة في الأراضي الزراعية، ناهيك بتلوث الهواء بالغازات الناجمة عن حرق بعض المخلفات، فأبناء الجزيرة يتحدثون عن تسمم مساحات واسعة من الحقول الخضراء وتحولها إلى اللون الأسود وكذلك مجاري الأنهار التي أصبحت أماكن لتصريف مخلفات النفط السوداء.
جريمة تلوث التربة في حقول الجزيرة السورية لاتقل عن جريمة النظام التركي الذي يعمل بشكل متعمد ومدروس لإخراج حقول الجزيرة من الإنتاج عبر تجفيف مصادر مياهها الطبيعية التي تأتي عبر نهر الفرات والخابور، وسرقة حصة سورية والعراق من مياه الأنهار الدولية العابرة عبر إقامة مئات السدود في منطقة الأناضول للتحكم بالمياه واستخدامها سلاح ضغط وحرب ضد البلدين.
فنهر الخابور الذي يعتبر شريان الزراعة الرئيسي في محافظة الحسكة جفت مياهه هذا العام وتحول مجراه ومجاري روافده إلى أرض قاحلة بسبب تجفيف منابعه من قبل النظام التركي، وكذلك نهر الفرات تراجع وارد مياهه عند دخوله الأراضي السورية إلى أقل من نصف الكمية المتفق عليها مع تركيا في انتهاك واضح لقوانين تقاسم مياه الأنهار الدولية العابرة.
وفي الوقت الذي تمارس فيه واشنطن أقذر حصار اقتصادي في التاريخ ضد سورية وشعبها وتعمل على دعم الإرهاب التكفيري عبر قاعدتها الاحتلالية في منطقة التنف على الحدود السورية – الأردنية – العراقية، يعلن اللص الأميركي عن تقديم نحو 3 آلاف طن من بذار القمح كهدية للسوريين في منطقة الجزيرة .
أي كرم هذا الذي تفتقت عنه أخلاق واشنطن تجاه السوريين وهي التي تحاصرهم في لقمة عيشهم منذ عشرة أعوام وتحتل أرضهم وتسرق قمحهم ونفطهم وغازهم وتدعم الإرهابيين تحت ستار محاربة داعش وتعمل على تفكيك بنية الدولة عبر دعمها ميليشيا انفصالية؟ وماذا يقف وراء هذا الكرم المزعوم؟
لاشك في أن هذه الخطوة تأتي استكمالاً للحرب على جزيرة السوريين الذين يعلمون جيداً أن ما أصابهم خلال السنوات الماضية لم يحصل إلا بدعم واشنطن وكيان الاحتلال الإسرائيلي (من تخطيط وتمويل وتنفيذ)، لذلك فهم يدركون أيضاً الأهداف التخريبية خلف (الهدية الأميركية) والتي يعتقدون أنها تهدف إلى إدخال أمراض القمح إلى حقول الجزيرة للقضاء على الأقماح السورية المعروفة بجودتها العالمية استكمالاً لمخطط إضعاف الدولة السورية.
لكن أرض جزيرتنا الخضراء التي كانت على الدوام خزان القمح السوري الشهير الذي تتسابق الدول على شرائه، ترفض بذار واشنطن المشهورة بزراعة وتوزيع بذور الإرهاب وتاريخها الحافل يشهد، ولن تمحوه بضعة آلاف من بذار قمح مسموم تريد نشره في الجزيرة السورية.
الحرب على جزيرتنا الخضراء بلغت منعطفاً خطيراً وهذا الأمر يتطلب من الحكومة ممثلة بوزارات الخارجية والبيئة والزراعة والموارد المائية التحرك إقليمياً ودولياً لوقف هذه الجريمة المرتكبة بحق الأرض والإنسان والبيئة قبل فوات الأوان فما يمكن إصلاحه اليوم يحتاج إلى عقود بعد سنوات.
إضاءات – عبد الرحيم أحمد