الثورة _ فؤاد مسعد:
عادة ما يكون للشخصيات العامة تأثيرها البالغ في المجتمع وحضورها الآسر الذي يجذب إليه الأنظار ، هذا الحضور الذي يعكس في أحد أوجهه الدور الكبير المنوط بالفنانين والمشاهير ضمن إطار العمل الإنساني والاجتماعي ، وانطلاقاً من هذا الدور تأتي مشاركتهم في العديد من الفعاليات الاجتماعية والإنسانية المختلفة فيقدمون الدعم لها ويقفون إلى جانبها وأحياناً يتبنون مشروعاتها ، فهم واجهة هامة في المجتمع وصوت مؤثر لدى شريحة واسعة من الجمهور ، منهم من يشارك بصمت ويذهب إلى أماكن لم يسمع بها كثيرون بهدف إنساني بحت وبقلب مِلؤه الحب والشغف ليزرع الفرح في النفوس ، ومنهم من يحمل الشغف نفسه ولكن لا يكتمل حضوره إلا بتغطية إعلامية ، ولهذه التغطية وجهان الأول توظيف واستثمار الشهرة لصالح تقديم الدعم للفعالية وحصد أكبر قدر ممكن من الفائدة لها ، فيكونون القدوة التي يُحتذى بها والمحرّض لفعل الخير ، ولكن الوجه الثاني يحمل في حناياه الـ (الأنا) التي قد تجعل البعض يقع في فخ الاستعراض متناسياً الدور الحقيقي الذي يقوم به ، لا بل هناك من ظهروا فجأة ضمن هذا الخضم وما لبثوا بعد فترة أن اختفوا مكتفين بالـ (بزنس) .
هناك بون شاسع بين من يرى ويتعامل مع هذه المساهمات على أنها لا تتعدى جدران (البريستيج) والاستعراض وبين من يراها ويتعامل معها بجدية على أنها ضرورة وميدان حقيقي للعمل بروح وقادة فيعطي من ذاتها ، وضمن هذا الإطار أذكر أنه في المبادرة التي قامت بها صحيفة الثورة إبان حرب تموز عام 2006 حين تم استضافة أخوة من لبنان في العديد من المناطق السورية ، نظمت الصحيفة حينها بالتعاون مع الهلال الأحمر في دمشق زيارات لعدد من الفنانين إلى مراكز الإيواء ، وحينها كل من شارك أعطى من قلبه وبدت نظرة الفرح على أعين الكبار والصغار عند لقائهم نجوماً أحبوهم ، حتى إن الفنان الراحل نضال سيجري كان يتحاشى الكاميرات والتصريحات لصالح إعطاء الوقت كله للأطفال المهجرين والتخفيف عنهم بطريقته اللطيفة والمحببة ، وأذكر تماماً كيف كان يلاعبهم ويتحدث معهم وكلما شعر باقتراب الكاميرات يغيّر مكانه مع الأطفال لأن همه الأول محاولة رسم الابتسامة على وجوههم ، ومما قاله حينها (الفنان شخص محبوب له مصداقية لدى الناس وبالتالي ينبغي توظيف هذا الحب وتلك المصداقية لاستنهاض الهمم) ، وفي تلك الزيارات نفسها كان يجلس الفنان دريد لحام ليلاعبهم قائلاً لهم (جئت لأكون منكم ومعكم) ، كانت عيون الأطفال حينها تنبض فرحاً وألقاً بلقاء فنانين جالسوهم ولاعبوهم بحب كبير . وبهذه الروح نفسها قدم الكثير من الفنانين في العديد من المناسبات عاطفة نابعة من القلب ودعم حقيقي لمن يحتاجونه .
ـ أمام وخلف الكاميرات:
العمل الإنساني قد يكون أمام كاميرات الإعلام أو بعيداً عنها ، ولكن المهم في كلتا الحالتين نبل الهدف في محوره وأساسه ، حتى إن هناك برامج مصورة يشارك فيها مشاهير مرتكزها وعمودها الفقري العمل في الحقل الإنساني حتى وإن لم تكن أهدافها كلها إنسانية بحتة ، ولتستطيع الجمعيات الخيرية والمؤسسات المعنية أن تكون فاعلة في المجتمع تلجأ إلى أشخاص مؤثرين ليساعدوها على القيام بمهاها وتحقيق غاياتها الإنسانية ، فيختارون مشاهير في عالم الفن أو الرياضة أو الجمال أو الإبداع عامة ليقوموا بمهمة نبيلة ويكونوا صلة الوصل بين الناس والمرضى أو العجزة أو الأطفال المصابين بالتوحد أو السرطان أو السكري أو المعاقين ذهنياً أو جسدياً أو اللقطاء أو من فقدوا عائلاتهم أو والديهم ..
بالنتيجة هو عمل وطني مرتكزه قيمه العطاء ، ولا يتقوقع ضمن إطار توصيفات معينة أي ليس شرطاً لفنان كي يعطي من قلبه أن يكون سفيراً لمنظمة معينة تُعنى بهذه الشؤون أو يكون مندوباً لمؤسسة أو جمعية ، وأنصع مثال على ذلك الفنان دريد لحام الذي كان سفيراً لليونسيف وانسحب قبل حوالي سبعة عشر عاماً وقد أكد أكثر من مرة أن مساهمته في الميدان الإنساني وخاصة فيما يتعلق بالأطفال غير مرتبطة بصفة (يمكن للفنان أن يكون فاعلاً في أي ميدان إنساني ، إن كان سفيراً أو لم يكن ، وبالنسبة إلي فلا أزال مع الأطفال ولا أتوانى عن مساعدة أي مؤسسة تدعوني لذلك ، فمحبة الأطفال بالنسبة لي لم تأت بعد أن حملت اللقب وإنما هي موجودة قبل ذلك حيث قدمت لهم مسرحية وفيلماً وأكثر من عرض مسرحي لصالح الأطفال المعاقين في عدة مدن سورية) مؤكداً أنه يشعر بالسعادة عندما يرى ابتسامة رضا على وجه طفل. في حين سبق للمخرج الليث حجو أن قال : الفنان شأنه شأن أي إنسان آخر في المجتمع ولكن يمكن أن يتميز أن صوته قد يصل بشكل أقوى مما يساهم في تحقيق نتائج أسرع ، ولا يمكن أن تقوم جمعية أو مؤسسة بدورها كاملاً بمعزل عن المجتمع كاملاً ، فالفنان وسيلة تواصل مع المجتمع بشكل يحقق انتشار أكبر ونتائج أسرع وأفضل .
ـ دور الفنان:
أين يتجلى الدور الإنساني والتوعوي للفنانين خاصة أن العديد منهم يشاركون في فعاليات اجتماعية وخيرية متنوعة ؟ كيف نميز بين الحضور الحقيقي والاستعراض ؟تساؤلات أجاب عنها الفنان وضاح حلوم قائلاً : أحيي كل الفنانين الذين يشاركون في الفعاليات الاجتماعية والخيرية والأنشطة الإنسانية ، فهذا دور الفنان وواجبه وهناك من يشارك بحب وتواضع كبيرين ، ولكن حتى وإن كان هدف البعض الاستعراض وتلميع الصورة فلا ضير في ذلك فلن يرى كل الناس ما يقوم به استعراضاً وإنما هو يوصل رسالة معينة والمهم أن يساهم في الأنشطة ويكون له حضوره الخاص والمميز فيها .
في حين أكدت الفنانة رنا شميس أن هناك من يقتدي بالفنانين خاصة أنهم تحت دائرة الضوء فيحتذون بهم ويقلدونهم ، لكن بالنسبة إليها فإن مشاركتها أو حضورها لفعاليات إنسانية منوط بالهدف خاصة إن كان فيها تصوير ، فالمهم أن يكون هناك فائدة من هذا الحضور رافضة أن يكون هذا الظهور للاستعراض . أما الفنان رامز عطالله فأكد من خلال تجربته أن أي عطاء يُقدم ضمن هذا الإطار يبقى أقل بكثير من معانة طفل أو ألم عاجز .