سيدة النبع

الثورة  : 

لم ألتقها في الحفل، لكن فور انتهائه شاهدت صورتها في دار الأوبرا، ومقطعاً نشرته على صفحتها من حفل أوركسترا ماري أول أمس، سألتها عن رأيها في (الحفلة) فكتبت: (كتير مميزة) فيها إبداع وما فيها ملل، وفيها مغامرة وجرأة وتنظيم أنا حبيتها

الاستثنائي في التعليق السابق التقاء كلماته مع الآراء التي قيلت عن الحفل الأول لأوركسترا ماري عام 2006 في المكان ذاته، والتي تكررت مع كل حفل تلاه، ما يستحضر سؤالاً مشروعاً:

ما الذي يجعل فرقة موسيقية قادرة على الإدهاش والإمتاع كل مرة؟

والجواب مرتبط كلياً بعبقرية مؤسسها وقائدها رعد خلف، فهو لم يؤسس أول فرقة موسيقية نسائية في الشرق الأوسط فحسب، وإنما منح تلك الفرقة خصوصية إبداعية كونها تعزف مقطوعات خاصة بها، يؤلفها قائدها لكل حفل جديد.

رعد خلف عازف الكمان البارع، الذي وصفه الراحل الكبير صميم الشريف بعد إحدى الحفلات الرائعة للفرقة السيمفونية الوطنية في قصر الأمويين بـ (فارس الكمان)، امتلك منذ بداية حياته الموسيقية مشروعاً إبداعياً معرفياً طموحاً تمتد جذوره في التجربة الثرية لوالده، ومعلمه الأول، الموسيقي العريق حميد البصري، ومن ثم في العلوم والمعارف الموسيقية التي تلقاها خلال دراسته التخصصية في بغداد، وتوجها بدراسته العليا في موسكو، ليبدأ بعدها من دمشق رحلة متجددة مع الإبداع والابتكار، كانت خطوتها الأولى معلماً في المعهد العربي للموسيقا (معهد صلحي الوادي حالياً) لمدة عشر سنوات، والثانية في المساهمة النشطة إلى جانب صلحي الوادي في تأسيس المعهد العالي للموسيقا، حيث كان، ولا يزال، واحداً من أهم أساتذته، وليساهم مع الكبير الوادي بعد ذلك في تأسيس الفرقة الوطنية السيمفونية، والمشاركة في كل أنشطتها الداخلية والخارجية كعازف أول فيها، وهو الموقع الذي ظل يشغله إلى أن أصيب صلحي الوادي بعارض صحي قاسٍ على خشبة المسرح وهو يقود آخر حفلاته مع السيمفونية، فاستلم رعد عصا (المايسترو) وقاد الفرقة في عدة حفلات ناجحة إلى أن سلمها إلى المايسترو الشاب ميساك باغبودريان، خريج الدفعة الأولى من طلابه في المعهد العالي، ليتفرغ هو لمشروعه الإبداعي الشخصي، دون أن ينقطع عن المعهد، ولا عن التواصل مع الفرقة السيمفونية.

الطموح المؤسس على ثقافة موسيقية أكاديمية، ممتزجة باطلاع شخصي واسع على التجارب الموسيقية الشرقية، دفع مشروع رعد خلف الشخصي تجاه إظهار أهمية وغنى كل منهما، فإلى جانب تأسيسه لرباعي دمشق الوتري الذي ترك انطباعاً ساحراً عند جمهور الموسيقا، أسس أوركسترا (زرياب) تيمناً باسم وإبداع الموسيقي العربي الشهير، ليبدأ رحلة أكثر عمقاً وثراءً في التاريخ الحضاري لمنطقتنا، فأعاد – مستعيناً بصنّاع مهّرة – إنجاز آلات موسيقية تاريخية، وترية ونفخيه وإيقاعية، استخدمت في الحضارات القديمة، مستنداً إلى رسومها الدقيقة الموجودة على الآثار التي وصلتنا من تلك الحضارات، وأدخل هذه الآلات إلى جانب الآلات الموسيقية الحديثة في حفلاته التالية بعد أن كتب لها مؤلفات موسيقية خاصة مستوحاة من زمنها، وتوج ذلك في حفل استثنائي حمل اسم (حفل في ماري) لقي صدى رائعاً لدى الجمهور الذواق، ما شجعه على الخطوة التالية البالغة الأهمية، فقدم في عرض سمعي – بصري مدهش عام 2004، بالتعاون مع الفنان التشكيلي أحمد معلا، مؤلفه الرائع (ألواح أوغاريت) منطلقاً من نوطة موسيقية، قد تكون الأقدم في التاريخ (منتصف الألف الثاني قبل الميلاد)، عثر عليها مدونة على رقيم من الطين المشوي في مدينة أوغاريت على الساحل السوري، وفي العام التالي استكمل عمله مع القطب الثالث في مثلث ممالك الحضارات القديمة فقدم عرضه السمعي – البصري الثالث (ليلة من إيبلا).

في إنجازاته الموسيقية البصرية جميعها حرص رعد خلف على تطوير جانبين بآن واحد: الموسيقي الإبداعي من جهة، والتقني من جهة ثانية، فلم يقدم حفلاً مكرراً أو مشابهاً لما سبقه، وفي حفله الأحدث استخدم تقنية صوتية جديدة، وتوزيعاً مكانياً غير مألوف لعازفات الفرقة، ومشاهد سينمائية أنجزها ببراعة المصور الشاب إبراهيم الخياط ارتقت بحالة التناغم السمعي/ البصري إلى سوية مرتفعة، وأغنى العرض بالصوت الفخم للمغني روجيه اللحام والأداء البارع لراقصة الباليه لجين ملاك، والحضور المسرحي الواثق للوتس مسعود، فاجتمعت جهودهم مع باقي فريق العمل لتقدم عملاً شبابياً مليئاً بالحيوية والانتماء، والمشاعر المتباينة لحالات متباينة.

تجدد أوركسترا ماري لا يقتصر على موسيقاها وعروضها، وإنما ينسحب أيضاً على عازفاتها، فإلى جانب المخضرمات منهن، وفي مقدمتهن العازفة الأولى العريقة رزان قصار، كان نحو نصف عدد العازفات الخمس والخمسين من العازفات الجدد وبعضهن من طالبات الصفوف المتقدمة في معهد صلحي الوادي، اللاتي كرسن الإحساس ب(شبابية) الحفل، وتجدد الأوركسترا.

عندما اختار رعد خلف اسم ماري لهذه الأوركسترا الرائعة أراد تأكيد مكانة المرأة السورية في مدينة هي مركز إحدى أقدم الممالك السورية، وواحدة من أعرق الحضارات في التاريخ البشري، قامت على الفرات الأوسط منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وازدهرت فيها الفنون، ومع ذلك فإن أوركسترا ماري لا تذكرنا بهذا الازدهار، ولا بصورة مغنية المعبد (أورنينا)، المحفوظة على شكل تمثال فريد في المتحف الوطني بدمشق، بقدر ما تذكرنا بالتمثال الرائع المحفوظ في متحف حلب لسيدة النبع، أو ربة الينبوع.

بكل جماله ودلالاته.

 إضاءات – سعد القاسم

 

 

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة