الثورة- سامر البوظة:
بالعقلية العثمانية ذاتها يحكم رئيس النظام التركي رجب أردوغان بلاده وشعبه, والتي يصر من خلالها السير على خطى ونهج أجداده البائدين الذين لم يورثوه سوى الإجرام والتخلف والجهل, ليدخل البلاد في سلسلة أزمات داخلية وخارجية بفعل حماقاته وسياساته الرعناء.
خبراء ومحللون يجمعون على أن ما يحصل في تركيا من اضطرابات واحتجاجات على خلفية الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها البلاد والانهيار الحاد والخطير للعملة المحلية هو نتيجة طبيعية لممارسات أردوغان الاستبدادية وسياساته الفاشلة سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي, والتي وضعت البلاد في عزلة دولية وأدت إلى تدهور الاقتصاد وانهيار العملة إلى مستويات غير مسبوقة, وهو ما دفع الشارع التركي إلى الخروج غضبا وتنديدا بسياسات أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية”, بعد أن فقد الثقة بهذا النظام وقدرته على تلبية الطموحات, مطالبين باستقالته واستقالة حكومته المتصدعة أصلا والتي تشهد تصدعات وانشقاقات كبيرة أحدثها استقالة وزير المالية والخزانة على خلفية ما وصلت إليه الأمور الاقتصادية في البلاد.
والجدير بالذكر أن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم الذي يتزعمه أردوغان, شهد انشقاق شخصيات بارزة عن صفوفه منذ التحول إلى نظام الحكم الرئاسي في عام 2018, و تتوالى هذه الانشقاقات بوتيرة عالية، ما يؤكد أن “الحزب” يفقد يوما بعد الآخر أبرز قياداته, والقائمة لاتزال مرشحة للزيادة.
السياسات الفاشلة لأردوغان على الصعيدين الدولي والداخلي أدت إلى تدهور الأحوال الاقتصادية في البلاد وتدني المستوى المعيشي, وبالتالي كانت السبب الرئيسي في تراجع شعبيته وشعبية حزبه بشكل كبير, بعد تراجع عدد الداعمين والمؤيدين السابقين له, الأمر الذي سيدفع ثمنه حتما في صناديق الاقتراع ويزعزع فرصه في الفوز بانتخابات عام 2023, وهو ما أوضحته مؤخرا صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية, التي أشارت في تقرير تحليلي لها حول الانتخابات التركية المقبلة إلى أن الطبقة المتوسطة في تركيا بدأت بالتخلي عن أردوغان نتيجة ما يمارسه من قمع في ظل تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع للأسعار, وأن الأتراك يواجهون صعوبة في استيعاب هذا الواقع الجديد والمضطرب, وأشار التقرير إلى تراجع مستوى المعيشة في تركيا وتخلي الناخبين عن دعم حزب العدالة والتنمية وخسارته للعديد من البلديات وفي مقدمتها اسطنبول وأنقرة خلال انتخابات عام 2019.
وكان تحليل للخبير الأميركي في سياسات الشرق الأوسط “ستيقن كوك” نشرته مجلة “فورن بوليسي” الأميركية قبل أيام, رأى أن أردوغان يواجه سلسلة الأزمات الخانقة على الصعيدين الدولي والداخلي حيث أنه وحزبه “العدالة والتنمية” يمران بأشهر عصيبة وسط تراجع شعبيتهما والعزلة الدولية التي تعاني منها تركيا بسبب تلك السياسات.
وقالت المجلة إن الأوضاع المتردية التي يعيشها الاقتصاد التركي هي نتيجة السياسات الفاشلة التي ينتهجها أردوغان, والتي أدت إلى انهيار كبير في قيمة الليرة التركية, لتصل إلى 11 ليرة مقابل الدولار الأميركي في منتصف تشرين الثاني 2021, وهو أدنى مستوى وصلته, إضافة إلى الارتفاع الكبير في معدل التضخم والذي وصل إلى عتبة الـ20بالمئة, فيما بلغ معدل البطالة 14 بالمئة.
وبدوره أكد صندوق النقد الدولي خطورة الأوضاع المالية لتركيا بسبب تراكم الأخطاء في إدارة الملف الاقتصادي, كما يشير خبراء إلى أن تحذيرات صندوق النقد يبدو أنها لم تحرك ساكنا لدى أردوغان حتى الآن, ورغم أن الليرة فقدت نحو 20 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام يواصل تمسكه باعتقاده الخاطئ في أن ارتفاع معدل الفائدة سبب ارتفاع معدل التضخم ما دفعه إلى مواصلة حث المركزي على خفض معدل الفائدة.
إن ما تعانيه تركيا واقتصادها من أزمات وأوضاع متدهورة والنزيف الحاد للعملة التركية أمر بالغ الخطورة, ويدفع بالبلاد نحو الهاوية, فالعجز الراهن في ميزان التجارة الخارجية, وإخفاق حكومة أردوغان في إيجاد الحلول وتوسيع أسواق صادراتها الخارجية أكثر خطرا وضررا في الأمد الطويل على مستقبل تركيا السياسي والاقتصادي, خاصة أنه يترافق مع أزمة ديون مستمرة في التفاقم، ووصول معدل التضخم إلى مستويات قياسية ورفع فاتورة الاستيراد والدين الذي سيجري سداده بالدولار.
الأمور تزاد سوءا داخل تركيا, والاحتجاجات تتصاعد, والشعب التركي لم يعد يتحمل ممارسات أردوغان القمعية وسياساته الفاشلة, ويبدو أن هذه المرة ليست كسابقاتها, فهل تكون هذه بداية النهاية لأردوغان، ويتمكن الشعب التركي أن يوقف جماح هذا الطاغية الذي أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه, فقط ليشبع رغباته وأوهامه في السلطة ؟.. الأيام وما ستحمله من تطورات ستكون كفيلة بالإجابة