الثورة – أديب مخزوم:
قدم الفنان ديلاور دلدار مواضيعه المختلفة بتقنية التلوين التلقائي، وكان يتجه في أحيان أخرى، لإيجاد تأثيرات بصرية غنائية، وحركات إيقاعية شاعرية. وبمعنى آخر وضعنا أمام مشهد طبيعي يتعامل مع الألوان، بصياغة تشكيلية تتفاوت بين التعبيرية التجريدية والواقعية الجديدة.
ولقد قدم ثمرة اختباراته التقنية في لوحاته، وظل في حيز اللغة التشكيلية التي لا تغيب عنها إيحاءات الأشكال، حتى في أقصى حالات الاختصار والتبسيط والاختزال، معتمداً على تداعيات الحالة الداخلية، التي اتسعت للتعابير الشاعرية والغنائية والذاتية . ولقد استمر في البحث داخل لوحاته عن مفردات وجدانية، وعن إيقاعات بصرية غنائية ، وأطلق ما يشبه المعزوفة البصرية ذات الإيقاعات اللونية العفوية.
وهو يوزع لمساته اللونية العفوية،على كامل مساحات اللوحة أو يضاعفها في مساحات محددة، وبما يؤكد حضور الضوء الشرقي والانفعال الداخلي، ويضمن إبراز الحداثة في معالجة الألوان، وحين يتماهى الشكل في غنائية اللون يصل إلى لمسات أكثر حداثة ، واقتراباً من تقنيات فنون العصر، عن طريق تسميك العجينة اللونية ،حيث يجعل منها مادة ذات أبعاد جمالية وتعبيرية تنقل الحس المباشر الداخلي ، ولا تعمل على تقليد الشكل الخارجي أو التماهي مع المشهدية الصالونية التجارية .
هكذا بدت المادة اللونية مشغولة بحس تقني حديث ، وفي لوحاته التي غلب عليها موضوع المنظر الطبيعي، قدم لنا حقولاً لونية، تجاوزت التفاصيل، وعملت بالتالي على إبراز مساحة المشهد وأبعاده الداخلية، وتحولت المساحات إلى طبقات لونية تتخللها لعبة النور والظل وتداخل الألوان المتقاربة بألوانها المحددة.
ويمكن القول إن اطلاعه الدائم على التراث التشكيلي العالمي، أفسح له المجال بتقديم مساحات لونية مشغولة بأداء تقني تحركه دائماً انفعالات متنوعة، ترتد في كل مرة نحو العقلنة لإيجاد التوازن البصري المطلوب ، والواضح في بعض لوحاته تلك الرغبة البادية لإظهار اللون الترابي ، أو تدرجات البني .
وألوان الطبيعة برزت بانفعال وبمعالجة اهتمت بمسألة إظهار إيحاءات المشهد في فضاء التجريد اللوني، رغم أن سطوح لوحاته لا تستقر على هذه الطريقة . وهكذا نجد تحولاً من طريقة التركيز لإظهار المواضيع ( الوجوه والعناصر الإنسانية والحيوانية وغيرها ) بصياغة تتدرج بين التصريح والتلميح وصولاً الى التجريد التعبيري في أحيان كثيرة ، وهنا يصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل العفوي ، بحيث يخضع معطيات العمل البصرية لحركة اللون الأكثر انفعالية وتلقائية وغنائية .
وفي هذا الإطار، تصبح أعماله عرضة لتبدلات الحالة الداخلية التي يعيشها أثناء إنجاز اللوحة . فهو حين يكون في حالة قلقة ومتوترة ، لا بد أن تأتي الحركات اللونية متوترة ومرتبطة ببؤرة الانفعال الداخلي ، وهذا لا شك يعمل على إغناء القدرة التعبيرية ويضفي إيقاعية بصرية أكثر حركة وحيوية .
ولا شك بأن الحرية الأدائية التعبيرية في المظهرين التكويني والتلويني ،التي برزت بجلاء في مساحات أعماله الأحدث ،عبرت عن تداعيات ثقافته البصرية ، وكشفت عن مواقفه وتطلعاته وحساسيته التشكيلية والروحية.
وهذا يعني أنه ينطلق من مبدأ البحث عن عمل واقعي أو تعبيري حديث، مستعيداً بوضوح علاقة العمل بالثقافة التشكيلية الحديثة والمعاصرة.
إن قراءة تشكيلية لأعمال ديلاور دلدار،سوف ترسم أمامنا وقبل كل شيء إصراره الدائم ،على تقديم لغة تشكيلية حديثة، ترضي طموحاته الفنية والثقافية، بلغة خاصة بعيدة كل البعد عن أي مظهر تجاري استعراضي، رغم تركيزه لإظهار عمق الرؤية البصرية البادية في عفوية اللون وحركته التلقائية.
فالعمل الفني الذي يقدمه في مستوياته المختلفة، يخضع لذلك الأداء اللوني، الذي يحرك الأشكال والإشارات المرسومة، من دون التزام بمرجعية كلاسيكية أو واقعية أو تقليدية، لأن واقعيته فيها الكثير من اللمسات التعبيرية المفتوحة على احتمالات تجريدية.
فالأداء التشكيلي الذي يجسده في حالات التكوين والتلوين، يبعده مسافات عن الإشارات الواقعية المباشرة، ويدخل المشاهد في إطار الحالة التعبيرية والرمزية للون، المستمد من جمالية المساحة المنطبعة من الرؤية الأولى، التي كانت تترك أثرها المباشر في فراغ السطح التصويري.
هكذا يحقق رغبته بإضافة الحركة والحيوية العاطفية إلى لوحاته، لإبراز عنف اللمسة، والكشف في آن واحد عن توازن التأليف التكويني والتلويني، الذي يطل في لوحاته كحالة وجدانية تعكس الصدى اللوني التلقائي، لتموجات الحالة الداخلية، التي يعيشها أثناء إنجاز لوحاته التشكيلية .
ويصل إلى لمسات أكثر حداثة واقتراباً من تقنيات فنون العصر، عن طريق تسميك العجينة اللونية، التي يجعل منها مادة ذات أبعاد جمالية وتعبيرية، تنقل الحس المباشر الداخلي ، ولا تعمل على تقليد الشكل الخارجي، وبالتالي لا تهدف التماهي مع المشهدية الصالونية التجارية .
كأنه يجاهر بالقول إن الفن الحقيقي، لا ينبع إلا من القلب، أي من نبض الانفعال المباشر أو من الانحياز نحو المزيد من التفاعل مع المظاهر المنفتحة على مسائل الحرية التعبيرية، لإيجاد معادلات جديدة، ومن خلال الجمع ما بين مفردات التأمل الواعي والحرية التعبيرية الانفعالية، التي نجدها تطل في لوحاته السابقة والجديدة.
هكذا وبعد سنوات من المعارض، طرح ، أكثر من علامة استفهام حيال أسلوبه، الذي شكل مدخلاً حقيقياً لاقتناص الغنائية اللونية المتتابعة في فراغ السطح التصويري.
ويمكن القول إن اختبارات ديلاور المتواصلة، سمحت له بتقديم مساحات لونية مشغولة بتنوع تقني، تحركه دائماً انفعالات مختلفة، ترتد في كل مرة نحو الداخل والعمق ، فألوانه تبرز بانفعال وبمعالجة تهتم بمسألة إظهار جماليات فنون العصر، وهنا يصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل الحر، بحيث تخضع معطيات العمل البصرية لحركة اللون التلقائي والعفوي المتتابع في فراغ السطح التصويري .