حبر أخضر..نزار قباني: أنا لم ألبس قناعاً

 الملحق الثقافي:

لم يجن كما فعل قيس.. ولم يمت كمداً كما حدث لعروة بن حزام.. ولأنه عاشق من طراز خاص استطاع نزار أن يكون جزءاً مهماً من تاريخ العشق العربي.. قالوا عنه إنه دخل لخدع المرأة منذ ربع قرن ولم يخرج منه حتى الآن وخطر لكل قارئ أن يسأله حين يلقاه، نزار ماذا فعلت بك النساء..؟
لم تحدد بداية الحوار وكان الود الجميل الذي يظلل جلستنا يجعلنا نتشعب به نحو المناطق المسكونة بالتحدي ثم يعود بنا إلى الشعر ذلك الهم الجميلّ!
قلت لنزار:
 صمودك في بيروت أثناء المحنة قلل من سهام منتقديك فهل هي أول تجربة لك في الصمود؟
  صمودي ليس في بيروت وحدها فأنا أقف في مواجهة التيار منذ بداياتي الشعرية وأنا أول من كسر جدار الرعب والخوف عن القصيدة العربية منذ عام 1944 فجراحي ليست جراحاً لبنانية أو متأخرة بقدر ماهي جراح شرعية لأن الكاتب الحقيقي يموت موتاً حقيقياً، ومشكلتنا في العالم العربي ليس عندنا الأديب الشهيد الذي يحمل كفنه ويمضي، بل عندنا الأديب المرتزق والمعين في الديوان العثماني.
 إذاً أنت مع نيتشه في أن الكتابة الحقيقية هي التي يكتبها الإنسان بدمه؟
  ليس هناك كتابة بالكوكا كولا ولابالحبر الأبيض ولاكتابة إلا بالدم أو الحبر البرتقالي أو لنقل اللازوردي الغامق.
 لقد انتقدوك كثيراً وقالوا عنك أشياء مختلفة، لكن واحداً منهم لم يجرؤ على القول بأن نزاراً ليس شاعراً.. فمن أين تأتيك هذه الحصانة..؟
  الحصانة تأتيني من الصدق لأني لم ألبس أقنعه ولم أشتغل بهلواناً ولامهرجاً عند أحد، ولايستطيع أحد أن يدعي أنه دفع لي أو امتلكني إلا الجمهور الذي أعتز بامتلاكه لي، الصدق دائماً يوصل أما النفاق فسريع العطب وأنا شخصياً اعتبر هذه الانتقادات مجموعة أوسمة أعلقها على صدري لأني شاعر القصيدة المشكلة، وحين أكتب قصيدة تمر بسلام ترتفع درجة حرارتي واعتقد أني قصرت في شيء ما، تهاونت في الاصطدام مع قوانين الموتى ودساتيرهم الجاهزة.
 ألا تعتقد أن وضعك المادي الجيد وعدم حاجتك لاستجداء رغيف الخبز ساعدك على هذا الموقف الذي نسميه شجاعاً..؟
  لا أبداً صدقني هناك شعراء أثرياء لم يتمكنوا من التواصل مع أحد لأن القضية ليست رصيدك في البنك بل مدى قدرتك على التعبير عن هموم الناس المختلفة، وعندك حق فأنا لم أكن بحاجة لأتسول على الأبواب، لكن يجب أن تعرف أني رميت كرسي السفارة حين وصلت إلى مرتبة سفير وقررت في لحظة من لحظات الجنون أو الصفاء الروحي أن أعمل شاعراً، وهذا يعني أني جابهت كل المقولات التي تدعي بأنه ليس للشاعر خبز في بلاد كبلادنا، لقد تركت السفارة ومعي ديوان وحيد هو ديوان الرسم بالكلمات وبه دخلت إلى بيروت وأسست دار نشر ولم يكن معي إلا أجرة المكتب حتى إن كثيراً من الأصدقاء لجؤوا إلي ومنهم الشاعر عمر أبو ريشة وقالوا هل جننت ماذا حدث لك؟ لكني كنت قد قررت أن أسير في المغامرة إلى نهايتها.
 حتى في مجال عشقك تتهم بأنه عشق رجال الأعمال لنساء مترفات عابرات.
  عشقي تابع لطبقتي وأنا من الطبقة الوسطى وكل حبيباتي منها موظفات سكرتيرات وطالبات جامعة لكني لم أحب امبراطورات ولا ملكات لأني أريد من المرأة أن تدللني لا أن أدللها.
 أليست هذه النظرة شرقية أكثر من اللازم؟
  لكنها نظرة فنان، افرض أنك كنت تكتب قصيدة من القصائد فهل تتركها لتجلب فنجاناً من القهوة أم تفضل أن تأتي به امرأة جميلة.
 لنترك هذا ولنسأل عن قضية أكثر خصوصية هي قدرتك على التوفيق بين عشقك الدائم وكونك زوجاً وأباً وصاحب أسرة مستقرة؟
  الزواج ليس قفصاً حديدياً ولا زنزانة انفرادية ويمكن للإنسان أن يخرج منه خمس دقائق لاستنشاق الهواء، والإعجاب بالجمال عملية داخلية يقوم بها الشاعر للدفاع عن نفسه ضد الركود الذي يغزوه، وطبعاً أنا لا أقصر على الرجل وحده، إنه حق إنساني للمرأة والرجل على السواء.
 الحب مدخل طبيعي للشعر وفي الشعر أنت متهم بأنك أقرب إلى التقليديين إن لم نقل تقليدياً- فما ردك على ذلك..؟
  أهميتي في الشعر تنبع من أني أتيت بلغة جديدة، صحيح أني لم أكسر الهيكل العظمي للقصيدة التقليدية لكني تجاوزتها وطورتها وفي قصائدي تستطيع أن تجد التراث مع أشياء العصر، هل تستطيع أن تقول عن هذا البيت أنه تقليدي:
ياشعرها على يدي
شلال ضوء أسود
تخيلت حتى جعلت العطور ترى
ويشتم اهتزاز الصدى
أو:
أنا عنك ما أخبرتهم لكنهم
لمحوك تغتسلين في أحداقي
 إذاً أنت لست ضد القصيدة التقليدية؟
  لا أنا لست ضدها وما الشكل إلا معطف خارجي يغيره الإنسان حين يشاء، والمهم أن يكون متناسباً مع الجسد الذي يرتديه.
 للقصيدة ولادات مختلفة فكيف تولد عندك..؟
  هذا سؤال لايطرح لأن المدينة لاتعرف متى يأتيها الزلزال، وليس للشعر توقيت معين إنه يهجم عليك في أوقات لا تتوقعها وأجمل قصائدي كانت تأتيني في الأوتوبيس أو الطريق أو في أي مكان آخر. إنك حين تعرف متى تأتيك القصيدة تصبح زوجها وأنا أفضل للشاعر أن يظل حبيب القصيدة لا زوجها.
 من هم الشعراء الذين أضافوا إضافات حقيقية إلى تاريخ الشعر.. بعد جيل الرواد طبعاً؟
  بعد الخمسينيات أضاف أدونيس لكن اللعبة اللغوية جرته إلى أمكنة لا يريدها، ومن الذين أضافوا ببراعة وإضاءة محمود درويش لأن قصيدته بعد خروجه من الأرض المحتلة نضجت وأصبحت ذات أبعاد.. ثلاثة وأنا حالياً لا أرى غيرهم لأن البقية يكررون أنفسهم على حين يجب على الشاعر أن يغير جلده يومياً ولون عيونه ولسانه إن استطاع.
 وبلند الحيدري وعلي الجندي ألم يقدما شيئاً؟.
  بلند أعطى في الخمسينيات وما يعطيه الآن لا يتجاوز ما أعطاه سابقاً، أما علي الجندي فقصائده الأولى كلاسيكية بحتة وهو الآن يتجاوز ذاته ويحاول الإضافة للقصيدة ضمن المنظور العام للشعر الحديث.
 موقع شعرنا من الحركة الأدبية العالمية أين هو الآن ولاسيما بعد أن اختارت إحدى دور النشر العالمية محمود درويش كواحد من أبرز خمسة شعراء عالميين؟
  موقع شعرنا جيد جداً إذا ما قسته بالشعر الإنكليزي أو الفرنسي أو الإسباني لأنه شعر قضية يدور حول هموم الإنسان في منطقتنا، وقد كان الإنسان الجزائري أو الفلسطيني والفيتنامي في وقت من الأوقات الشغل الشاغل للناس، ومحمود درويش يستحق مكانته بكل جدارة لأنه عنده المحتوى الكافي ليكون عالمياً، ثم إني لا أعطي لقضية العالمية أهمية كبرى لأن الذي يستطيع أن يعبر عن هموم بلده هو عالمي بالضرورة.
الملحق الثقافي 12/5/1976

التاريخ: الثلاثاء7-12-2021

رقم العدد :1075

 

آخر الأخبار
تشغيل وإحداث 43 مخبزاً في حلب منذ التحرير منتدى تقني سوري ـ أردني في دمشق الشهر الجاري   توعية وترفيه للحد من عمل الأطفال بريف القنيطرة إزالة بسطات وأكشاك في جبلة بين أخذ ورد خطوة للأمام أم تراجع في الخدمات؟  السورية للمحروقات تلغي نظام "الدور الإلكتروني" للغاز   معامل الكونسروة بدرعا تشكو ارتفاع تكاليف الإنتاج..  المزارعون: نحن الحلقة الأضعف ونبيع بخسارة   هاجس ارتفاع الأسعار.. يقض مضجع زيادة رواتب مجزية وغير تضخمية سوريا تطوي صفحة العزلة والعقوبات وتنطلق نحو بناء الثقة إقليمياً ودولياً    أوساط عربية ودولية تؤكد دعم وحدة سوريا وتبشّر بانفتاح شامل   تحقيق لـ "بي بي سي" يكشف عن شبكات منظمة وراء التحريض الإلكتروني في سوريا القوات الأردنية تُعلن إحباط تهريب شحنة مخدرات على الحدود الشمالية مع سوريا "أناضولو جيت" تبدأ أولى رحلاتها المباشرة من اسطنبول إلى دمشق كيف نكسب صغارنا بمعاملة مثلى؟ مطالب بإحداث أمانة في طفس.. الشؤون المدنية بدرعا تستأنف تقديم خدماتها معايير لتنظيم رحلات "العمرة" بين "الأوقاف والسياحة" السرقة عند الأطفال.. سلوك مقلق لكنه قابل للعلاج المصرف الصناعي يفتح الباب واسعاً أمام المشاريع الإنتاجية  المشاريع الصغيرة تحت مظلة منح القروض     بين القمح والجفاف.. الأمن الغذائي في سوريا بالخط الأحمر.. ما المطلوب حكومياً؟ مواجهة للجفاف.. الخبير البني يطالب الحكومة بإعلان حالة طوارئ استثنائية  أمازون تنشر روبوتها المليون.. وتُطلق نموذج ذكاء اصطناعي