يستطيع المرء أن يتفهم الادعاء الأمريكي بـ “التفوق الديمقراطي” لاسيما بعد عقود من محاولات تصدير الديمقراطية الأمريكية على ظهر حاملات الطائرات وعبر الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات “غير الحكومية” وعبر آلاف الصواريخ التي دكت عواصم “اللاديمقراطية” في شرقنا العربي والآسيوي.
ولولا تجاربنا المؤلمة في منطقتنا العربية وجوارها مع “الديمقراطية الأمريكية” التي خبرناها دعماً لأنظمة سلطوية لا تعرف أي شكل من أشكال الديمقراطية، ولولا الحروب التي شنتها واشنطن لتغيير الأنظمة بحجة نشر “الديمقراطية” في العراق وأفغانستان وغيرها، ودعمها التنظيمات الإرهابية في سورية كـ”داعش”، لكنّا سلمنّا بحسن نوايا الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي دعا لعقد قمة افتراضية للديمقراطية يومي 9 و10 كانون الأول الجاري.
فواشنطن تنظر إلى ديمقراطيتها على أنها “سيدة الديمقراطيات” في العالم رغم أن العديد من الدول تنظر إليها بأنها التهديد الأكبر للديمقراطية في العالم، وهي تعتبر نفسها في حرب عالمية لنشر ديمقراطيتها، وليس على الدول والشعوب الأخرى سوى الانصياع لأن سيد البيت الأبيض يعتقد أن “الديمقراطية” الأمريكية في صراع مع “الدكتاتورية” التي تمثلها دول كالصين وروسيا وفق ما صرح به بايدن سابقاً ومن هنا تم استبعاد كل من الصين وروسيا من القمة الافتراضية.
الولايات المتحدة مارست الدكتاتورية بأبشع صورها في تصنيف العالم بين دول “ديمقراطية” وأخرى “غير ديمقراطية” مطبقة سياسة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن عندما قسّم العالم في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 بعبارته الشهيرة “من ليس معنا فهو ضدنا” واليوم تصنف إدارة بايدن العالم بين دول مرضي عنها “ديمقراطية” وأخرى غير مرضي عنها “غير ديمقراطية”.
الخطوة الأمريكية الجديدة تزيد من الاستقطاب الدولي والتوتر في العالم، فكيف يمكن لقمة “الديمقراطية” أن يحضرها كيان الاحتلال الإسرائيلي وتغيب عنها أغلب الدول العربية؟ كيف يمكن دعوة تايوان إلى القمة وهي جزء من الصين واستبعاد الصين؟ كيف يمكن استبعاد روسيا ودعوة دويلات تحتاج إلى مجهر لإيجادها على الخريطة الجغرافية والسياسية؟
لاشك في أن لكل دولة في العالم ديمقراطيتها الخاصة التي تنبع من داخلها ولا توجد ديمقراطية واحدة مفصلة تناسب جميع الدول، وغياب معظم الدول العربية عن القمة ليس مفاجئاً، ولا نملك الادعاء بأن نقول: إن الدول العربية تذخر بالديمقراطية لكنها في كل الأحوال أفضل من العديد من الدول المدعوة للقمة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية كيف يمكن تفسير التحالف الأمريكي مع الأنظمة العربية التي تصنفها واشنطن “غير ديمقراطية” سوى أن المصالح السياسية والاقتصادية تتفوق على اعتبارات الديمقراطية لديها؟
العناوين التي ستناقشها القمة وفق الخارجية الأمريكية تتركز في ثلاثة محاور: هي مواجهة الدكتاتورية ومحاربة الفساد وتعزيز حقوق الإنسان، لكن وبكل أسف فإن أول الدول في ممارسة الدكتاتورية الدولية هي صاحبة الدعوة للقمة، من خلال فرض سياساتها على العالم وشن الحروب خارج إطار الشرعية الدولية ودعم الاحتلال وفرض الحصار غير الشرعي على الشعوب والدول، فأين هي الديمقراطية التي تتحدث عنها واشنطن؟ وأين هي حقوق الإنسان التي تنشرها في وقت تدعم الاحتلال الإسرائيلي في انتهاكاته اليومية لحقوق الشعب الفلسطيني؟
ويبقى السؤال الأهم: من خوّل واشنطن بالأساس قيادة الديمقراطية في العالم؟ وبأي حق تصنف دول العالم؟ فهي لو كانت جادة في دعم الديمقراطية، لكانت دعت إلى القمة في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة ولتحضرها جميع الدول الأعضاء بدل أن تمارس واشنطن دكتاتوريتها في دعوة واستبعاد من تريد في خطوة يبدو أنها تريد استخدامها سلاحاً جديداً لتوسيع هيمنتها وفرض أجنداتها السياسية حول العالم.
إضاءات-عبد الرحيم أحمد