الثورة – كاتب فلسطيني -بقلم إيهاب زكي جودة:
ليس سراً أنّ الكذب الذي مارسه الغرب الاستعماري، وأدواته المحلية والإقليمية، في الحرب على سورية، يوازي الكذب البشري منذ بدء الخليقة، فالكذب كان يتناسل بشكلٍ عنقودي بلا توقف، ميدانياً وسياسياً وإعلامياً، وكما أقرّ الكاتب الفرنسي مؤخراً”رولاند هيريكس” في كتابه”فرنسا والأطلسي في سورية..التضليل الكبير”، حيث قال”قد بلغت البروباغندا في سورية مستوىً لا سابق له، للتأثير على العواطف وتعبئة الرأي العام والمؤسسات والحكومات الأجنبية، لجذبها نحو الأهداف المحددة سلفاً”، وقد ذكر عدة مراكز أمريكية عملت على ذلك، وهي مرتبطة بالبيت الأبيض، وتحصل على تمويلاتٍ هائلة.
لا شك أنّ هذه السياسة لا زالت قائمة حتى اللحظة، ولكنها أضافت بُعداً اقتصادياً لدعايتها السياسية، حيث أنّه إذا كانت هذه الدعاية فشلت في الإطباق على العقل الجمعي للسوريين، وبالتالي تقديم بلادهم ومصيرهم على طبقٍ من ذهبٍ للغرب، فقد تنجح الدعاية السياسية للإطباق على أمعائهم، ولكن من احتفظ بنقاء ذهنه وصفاء بصره تحت عشرة أعوامٍ من ركام الكذب، سيكون من الصعب الإطباق على عقله وعينيه عن طريق معدته.
تتزامن هذه البروباغندا الاقتصادية الناعمة، مع بروباغندا خشنة، تمارسها “إسرائيل” بالنار، حيث أصبح من الثابت والمقطوع به حتى”إسرائيلياً”، فشل استراتيجية ما تسمى”معركة بين الحروب”، وقد سمّيتها منذ انطلاقتها باستراتيجية الهروب، لأنّ العدو أدرك عجزه عن إدراك أيّ حسمٍ في أيّ ساحة، وأدرك أنّ الدخول في مواجهةٍ مباشرة، هو خطر استراتيجي على أمنه، بل أصبح خطراً وجودياً، فلجأ لهذا الاستعراض الناري، وهذا السلوك”الإسرائيلي” كان له أهدافه المعلنة، والتي فشلت فشلاً ذريعاً، وهي إخراج إيران وحزب الله من سورية، ومنع وصول الأسلحة الكاسرة للتوازن أو الصواريخ الدقيقة للحزب، وإقامة ما يسمى بالجدار الطيب، على الحدود السورية مع فلسطين المحتلة، ولكن النتيجة حتى اللحظة هي الصفر المكعب، وستظل كذلك.
أمّا الأهداف غير المعلنة، فيبدو أنّها دفع قسري باتجاه التطبيع، حيث تريد”إسرائيل” تكريس قناعةٍ لدى الواقفين على حافة التطبيع، أنّها لا زالت القوة القادرة على توفير الحماية، وهي كقوةٍ صالحة لتكون بديلاً عن المظلة الأمريكية، للأنظمة المرتبطة بالولايات المتحدة تاريخياً، حيث كانت صفقة القرن تلحظ تسليماً أمريكياً لنفوذها إلى”إسرائيل”، قبيل انسحابها المتوقع من المنطقة، وهذا الدفع قسراً أو اختياراً نجحت به”إسرائيل”، وهو ما تحقق مع عدة عواصم.
أمّا الهدف الثاني غير المعلن، فهو استشعار”إسرائيل” بأنّ الانتصار السوري، سيكون عميق الأثر على خرائط المنطقة، وهي لا تريد الخروج بأمنٍ مهدد، كما لا تريد الخروج وهي مطوقةٌ بأحزمةٍ نارية من كل صوب، لذا ومن خلال هذا الاستعراض الناري عبر الغارات المتكررة، تريد أن ترسل رسالةً بأنّها لاعبٌ يجب أخذ تخوفاته بالحسبان، وهذا ما لم يتحقق حتى اللحظة، ولن يتحقق، فموازين القوى بعد العشرية الحمراء، لا تسمح بأنّ تكون”إسرائيل” رقماً وازناً، يُجبر الأطراف لأخذها على محمل الجدّ.
إنّ الصمود السوري والانتصار الذي سيُنجز كاملاً، أحدث زلزالاً أزاح الجغرافيا وليس الخرائط فقط، وإذا كانت نتائج الحرب العالمية الثانية، قد رسمت خرائط العالم لما يقرب القرن، فإنّ انتصار سورية ومحورها قطعاً سيرسم خرائط القرن الجديد، وهذا بالضبط ما تحاول البروباغندا الاقتصادية والنارية تأخيره، لكنه آتٍ ولو بعد حين.