بانتظار الرد الأميركي على وثيقة الضمانات الأمنية الروسية لنزع فتيل التوتر مع (الناتو)، وكذلك الرد الغربي على المقترحات الإيرانية بخصوص الاتفاق النووي، يبقى العالم أسير الهواجس من مغبة تشبث أميركا وحلفائها الغربيين بعقلية الاستعلاء، ومنطق القوة لفرض الشروط والإملاءات، فاستمرار هذه السياسة تنذر بكوارث حقيقية على الأمن والسلم الدوليين.
حتى الآن، تبدو الردود الأولية من قبل أميركا وذراعها العسكري(الناتو)، على الضمانات الروسية مخيبة للآمال، وغير مشجعة على خفض التوترات في أوروبا، حسب تأكيد الخارجية الروسية، ما يعني أن مرحلة جديدة من المواجهة ستنتظر الجانبين بحال لم يبادر الغرب باتخاذ خطوات جادة وبناءة لتهدئة مخاوف موسكو، والتي تعززها شروط (الناتو) المسبقة لإجراء أي مفاوضات ثنائية بهذا الخصوص، ويأتي إعلان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، بأن (الحلف) مصمم على الاستمرار في التوسع شرقاً، ويرفض مطالب روسيا لاستبعاد انضمام أوكرانيا إليه، ليدلل على نية الغرب الاستمرار في التصعيد ضد روسيا.
كذلك فإن اشتراط الولايات المتحدة عدم إجراء أي مباحثات ثنائية بين واشنطن وموسكو من دون وجود من تسميهم شركائها في أوروبا، يدل على أن ثمة سيناريو أميركي لتوزيع أدوار التعطيل بين أميركا وأتباعها الأوروبيين، فالكل سيكون له وجهة نظر مختلفة إزاء المحادثات، بهدف تضييع الوقت، وتمييع المطالب الروسية، وهذا لن يكون في مصلحة الدول الغربية، ولاسيما إنها لا تملك سوى إعلان التصريحات الاستعراضية فقط، وتفتقد لأي إستراتيجية واضحة في التعاطي مع أي انفجار محتمل قد تقود إليه سياساتها العدائية تجاه روسيا، وقد سبق لواشنطن أن أكدت بأن سياسة فرض العقوبات هي أقصى ما تستطيع اللجوء إليه، بحال دفع الغرب نحو نشوب تصادم عسكري في أوكرانيا.
تصعيد الضغوط الأميركية والغربية تجاه روسيا، يتطابق تماماً مع ما تتعرض له الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال محادثات فيينا، فالدول الغربية ذاتها تلجأ لأسلوب توزيع الأدوار لجهة تحميل إيران مسؤولية عدم إحراز تقدم كبير في الجولة السابعة، وهي عاودت لممارسة سياسة الضغوط القصوى قبل استئناف الجولة الثامنة خلال الأيام القادمة، ولكن رغم كل أجواء التعطيل والتشويش الغربية على المبادرة الإيرانية، إلا أنه تم قبول المسودتين التي اقترحتهما طهران ودمجهما ضمن النصوص الجاري مناقشتها بين الأطراف المعنية، وهذا يوضح مسألة مهمة بأن أميركا وأتباعها الأوروبيين عجزوا مرة أخرى عن فرض الشروط والإملاءات على إيران، وربما أدركوا بأن لغة التهديد والوعيد لن تجدي نفعاً، وبأن خيار الحوار هو السبيل الأنجع، وعليهم عدم تفويت الفرصة في الجولة القادمة.
تأجيج التوتر، لاشك أنه مصلحة أميركية، لأنها ترى فيه دعامة قوية لصناعاتها العسكرية، في ظل تردي أوضاعها الاقتصادية، وهي تدفع بأتباعها الأوروبيين، وعملائها في المنطقة ليكونوا وقود أي تصادم عسكري محتمل مع روسيا أو إيران، ولكن واشنطن لن تكون بكل تأكيد في منأى عن تداعيات أي حماقة عسكرية قد يرتكبها الغرب.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر