الملحق الثقافي:نبيل فوزات نوفل:
الصفة الأكثر لصوقاً بالغراب هي الخيانة والخداع والأذى، فقد قيل»أخيل من غراب»،»وأحذر من غراب»،»وأشد سواداً من غراب» وهو يسمى «أبو اشؤم»،» وأبو الجراح» ومنذ أطلق الغرب الاستعماري ربيعه السدود ضد الأمة العربية عامة والقوى المقاومة خاصة أطلق غربانه الثقافية لتعبث بالعقل العربي والمجتمع العربي فالمتابع لواقع التفكير والثقافة في الوطن العربي وحالة العقل العربي يتأكد له أننا نعيش حالة انتشار المستوطنات الثقافية التي تنشراليأس والفرقة والانبطاح والتسليم بمشيئة المستعمر، وإعلان تفوقه، وتكريس حالة الضعف في المجتمعات العربية، وحرف الأدب والفكر عن دورهما الحقيقي ،فتدور مناقشات وتعقد مؤتمرات لا تمت بصلة إلى شفاء المجتمع العربي فتحول ما يسمى مثقفون إلى مستوطنات في أرضنا العربية، تعيث فساداً، وإحباطاً، ويأساً، واستسلاماً تمهيداً للقضاء على روح المقاومة، وثقافة المقاومة، حيث بدأنا نعيش حالة التعاطي اللا أدبي مع القضايا الوطنية والقومية، فتحت راية حرية الرأي والتعبير وخاصة في مجال الأدب، بدأنا نلمح ذلك، متناسين ما للأدب من مهام وطنية كبيرة، فتم ابتكار تجمعات، وتكوين منظمات، وإرساء مؤسسات يكون همها تحريك مشاعر المجتمعات العربية باتجاه أفكار لا تهدف إلا لمزيد من الاستلاب، وذوبان الهوية القومية للأمة، وانتشار الليبرالية الجديدة المتوحشة، ولذلك أقيمت تجمعات ثقافية، غربية الصناعة والتصنيع، منها:
جماعة كونبهاغن، وجماعة القاهرة من أجل السلام، وجماعة الحوار السلمي، وجماعة من أجل ثقافة إنسانية، وجماعة الثقافة الشرق أوسطية، وجماعة ثقافة بلا حدود، إضافة إلى فروع انبثقت منها مثل: المسرح الإنساني، والترجمة المتبادلة، وروابط المصطلح النقدي الأدبي الجديد، وجماعة المؤرخين الجدد، حيث جاء نعيقهم المبشر بانفراط العقد العربي، ومسح الذاكرة العربية لصالح الغزاة، وباتوا يشكلون الطابور الخامس الذي ينفذ تعاليم المذهب الأنثروبولوجي السياسي لتفتيت الدول والأنظمة، التي رسمه لهم قادة الفكر الامبريالي الصهيوني، وهو المذهب الذي يقوم على عملية التفكيك والتفتيت للمجتمعات، مثل العشيرة والقبيلة، والقوم، والأقوام، والطائفة والمذهب …. إلخ، وهذا ينسجم مع نظرية التأطير والخداع التي تقوم على الهيمنة والسيطرة ،وهي من أخطر القواعد الأساسية المهمة في تمرير السياسات الدولية، والتفكير والتصرفات المنافية للقيم الأخلاقية والإنسانية ،والترويج للمؤامرات الدولية لخلق فوضى وخراب، وتدمير الأفكار والإبداعات والمفاهيم، وزعزعة الاستقرار وأمن الدول، بهدف إنشاء كيانات سياسية وأحزاب سياسية من قبل الدول الاستعمارية وفاقدة لدورها الاجتماعي ومتحللة من الالتزام بالقضايا الوطنية والقومية للأمة، ومن بين هذه المنظمات والجمعيات.
لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية، وحقوق الإنسان في سورية، المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان، المنبر السوري المناهض لعقوبة الإعدام، التنسيقية الوطنية للدفاع عن المفقودين في سورية، رابطة الحقوقيين السوريين من أجل العدالة الانتقالية وسيادة القانون، المركز السوري للعدالة الانتقالية وتمكين الديمقراطية، المركز السوري لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، المركز السوري للديمقراطية وحقوق التنمية، المركز الوطني لدراسات التسامح ومناهضة العنف في سورية، المجلس الوطني السوري (اسطنبول) وهو(من حزب الشعب الديمقراطي السوري)(الشيوعي سابقاً) أسامة المنجد(بريطانيا)الذين ينتسبون إلى هذا المجلس يحملون الجنسية الأجنبية إلى جانب السورية منهم(بسمة القضماني) فرنسا، رضوان زيادة (أميركا)، هذه المنظمات مدعومة من قبل صناديق أجلو-ساكسونية ضخمة متخصصة (بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وهي:مجلس العلاقات الدولية، مؤسسة السلام الأميركية،حركة العدالة والتنمية، مجلس الديمقراطية، جمعية هنري جاكسون والصندوقان البريطانيان باتشايتم هاوس، ومراكز الدراسات الاستراتيجية والاتصالات ووسائل إعلام مدعومة وممولة استخباراتياً مثل قناة بردى المستقرة في لندن، وقد ساهمت هذه المستوطنات في نشر الأفكار واختراق العقل العربي وتربية غربان الثقافة، لنشر مقولات وأهمها:
1 – الفصل بين القوى الامبريالية العالمية والكيان العنصري الصهيوني، وعدم القبول بوجود مؤامرة استعمارية على العرب.
2- تكريس وتسويق ثقافة الخنوع، والمتمثلة بأنه لا قدرة للعرب على المواجهة، وإذا أرادوا التقدم والاستمرار في الحياة ما عليهم إلا الاختباء تحت العباءة الأميركية، والتخلي عن مواجهة الكيان العنصري الصهيوني، والتطبيع معه والاعتراف به دون أن يعيد الحق العربي، كونه على حد زعمهم ليس العدو للأمة العربية، بل هناك عدو آخر مثل إيران والقوى المقاومة وغير ذلك، والخلط في المفاهيم والمصطلحات في ما يتعلق بجوهر الصراع.
3-تكريس التطرف، والتمييز الطائفي وإحلال الخرافات والأساطير محل الحقائق وفعالية العقل، وأن الحضارة مصدرها غربي، ومن يريد التحضر ما عليه إلا تنفيذ كل ما يقوله له السيد الأميركي، ونشر بدعة إمكانية تحقيق السلام في المنطقة، وإن الكيان الصهيوني يعمل ويرغب في تحقيق السلام.
4-نشر الأفكار المضللة حول القومية العربية والعروبة واتهامها بأنها متخلفة، وإنها بدأت تلفظ أنفاسها، ويجب البحث عن إيديولوجيات جديدة، ورفض فكرة وحدة الأمة العربية، وانتصار إيديولوجية واحدة ووحيدة هي الإيديولوجية الليبرالية، والترويج إلى أن الفكر القومي مستوردٌ وغريبٌ، وطارئ ولا ينتج معرفة.
5- نشر الثقافة التي لا تعير لقضية الانتماء بالاً، وتخلق الإنسان الممسوخ، المقطوع الجذور، الذي لا علاقة له بوطنه وأمته، يفكر أنانياً، في مصلحته الفردية ويعمل على خلاصه الفردي، ولا قيمة عنده للوطن، والأرض، والعرض، يعمل بغرائزه فقط ،وليس لديه قيم أخلاقية، وبالتالي عبر هذه الأفعال اللا حضارية يقوم المستوطنون داخل الوطن العربي عن طريق غربان الثقافة باستلاب الأمل من قلب الإنسان العربي عامة والشباب خاصة تمهيداً لاستسلامه النهائي لقوات الاستيطان الاستعماري المتوحشة الجديدة، فبات بعضهم يطرح شعارات»التدمير بداية التحرير» ،والمطالبة بالتدخل العسكري، والحصار الاقتصادي على بلدانهم وشعوبهم، بهدف الوصول للسلطة بأي ثمن، وبأي أسلوب، تحت شعار الحرية ! وغير ذلك من الشعارات الخبيثة، فوصلنا إلى حالة الاغتراب حيث يعاني بعض الناس من اضطراب الذات، واهتزاز رؤيته لهويته، وبعدها عن الواقع وانفصالها عن المجتمع، فيعيش حالة غربة النفس وغربة العالم وغربة بين البشر، والانسلاخ عن الثقافة الاجتماعية، إن المطلوب اليوم هو المبادرة إلى العمل على بناء ثقافة الحياة، التي تتميز بالآتي:
1-إبعاد الدين عن الصراعات الاجتماعية حول الخيرات والسلطة، من خلال الفهم الحقيقي للعلاقة مع الإيمان، فعملية التحليل التاريخي التي نريد تطبيقها على التراث لا تهدف إطلاقاً إلى القضاء على العاطفة الدينية، عاطفة الإيمان والروح، بل على العكس، بل إن ذلك هو المنهج الوحيد الذي يخرج الإيمان منه أو بعده في النهاية منتصر، فالإيمان لن يصاب بأذى بعد تطبيق المنهج التاريخي على التراث بصفته تخيلاً نفسياً له، وتغلغلاً في أعماقه القصية.
إن إجراء العملية الجراحية سيربحنا لأننا سنربح بعضنا بعضاً، ويزيد من تلاحمنا وقوتنا، وبناء واقع جديد، أكثر قوة وصلابة وقدرة على مواجهة سموم القوى الطامعة بنا، فالقطيعة لا تعني الانقطاع عن الإيمان أو اعتباره مسألة ثانوية لا أهمية له. فالإيمان الحقيقي لا يتعارض مع التفكير السليم والتقدم الذي نريده بل يرافقه ويحتضنه، فالإيمان حق وعدل وليس إرهاباً وتخويناً ،فالبحث في ضرورة إعمال العقل في النص الديني يهدف إلى تغيير طرق التفكير والتسليم بقدرة العقل على الخوض في المسائل العملية والنظرية، إنه موقف يكسر حصون النص وصلابته ويجعله مفتوحاً لفعل العقل، وهذا ما فعله ابن رشد، إنه قبول المقدس من منطلق كونه قابلاً للعقلنة وذلك هو الحل الرشيد.
2- الإيمان بأن الثقافة لا تستورد ولا تستعار من أحد، بل تعتمد على احترام العقل، واحترام حرية التفكير، وتقديم رؤى جديدة عن بعض قضايا الفكر الإنساني مثل العلمانية، ونرى إن وعي مفهوم العلمانية التي تتناسب وواقعنا العربي، يتطلب التأكيد على العلمانية الروحية الجديدة، فالتعرية الأركولوجية التاريخية لماضينا يشكل الشرط الأساسي والمسبق لكل عملية تقدم وبناء ثقافة الحياة، إنها عملية جراحية كبرى، تحتاج جراحين مهرة، أي تحقيق ذاتيتنا المستقلة من خلال وقوفنا من ماضينا وقفة نقدية جذرية، فامتلاك الفكر النقدي يعتبر شرطاً من شروط الارتقاء الإنساني وهو أن نعرف ما نعرفه، وما لا نعرفه، إنه الوعي بما نقوم به من إجراءات، وما نتخذه من قرارات، إننا بحاجة إلى امتلاك الفكر الذي يمتلك القدرة على تفكيك المشكلة إلى مكوناتها الأساسية، بحيث يقودنا إلى معرفة بواطن الخلل والقوة، ومن ثم اتخاذ القرار المناسب، والابتعاد عن المعالجة العاطفية للقضايا والأحداث.
3 – بناء استراتيجية ثقافية عربية، ثلاثية الأبعاد، بعد سياسي:قوامه الديمقراطية الحقيقية، وبعد اقتصادي واجتماعي قوامه تنمية وطنية مستقلة، وبعد ثقافي قوامه تشييد ثقافة عربية، تتمازج فيها الحداثة، مع الأصالة، و صياغة مواجهة ثقافية، مناظرة لثقافة الصراع الصهيوني، تأخذ باعتبارها حقائق الصياغة الصهيوية الإمبريالية ومضامينها، وبنيتها، ومفاهيمها، وتغيراتها، بهدف تحصين الثقافة العربية، وجماهيرها، من الأخطار المدمرة للسياسات الاستعمارية وهذا يتطلب:
-الإيمان بأن المثقف إنسان صاحب موقف، قبل كل شيء، وبالتالي عدم تقبل الواقع على علاته انتهازاً أو تزلفاً، و كشف علل الأمة، وفي مقدمتها التجزئة ،والتأخر التكنولوجي والتبعية الاقتصادية، والاستبداد السياسي، وغياب دور الشعب، وغلبة الرأي الواحد والفكرة الواحدة، والمؤسسة الواحدة، والاهتمام بالبحث والتعريب بشكل جدي ما يؤدي إلى المساهمة الفعالة في الحضارة العالمية، وهذا يتطلب إطلاق حرية التفكير، وتحفيز الباحث، وإثارة التنافس، وصولاً إلى الإبداع.
-إصلاح النظام التربوي التعليمي والابتعاد عن عمليات الترويض الثقافي والفكري التي تمارسها أغلب الحكومات على المثقفين والمفكرين، والاهتمام بالثقافة العامة والثقافة الشعبية، والتصدي لموضوع التطبيع بأشكاله المختلفة وخاصة التطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني، وكشف أخطاره على الهوية العربية، والاعتراف أن الثقافة ذات اللون الواحد هي ثقافة ميتة، وبالمقابل فإن الثقافة التي لا خاصية لها، ثقافة مستلبة أيضاً، إن هذا يعزز من وجود المثقف العضوي واضمحلال المثقف الغراب وبذلك نعزز من تماسك مجتمعاتنا ونحصنها من الاختراق.
التاريخ: الثلاثاء21-12-2021
رقم العدد :1077