الثورة – ناصر منذر:
جددت الدول الضامنة لعملية أستانا تأكيد التزامها القوي بسيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها وبمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مشددة على مواصلة العمل المشترك لمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومسمياته في سورية ورفض الأجندات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادتها وسلامتها الإقليمية.
كما عبرت الدول الضامنة في البيان الختامي للاجتماع الدولي السابع عشر بصيغة أستانا الذي عقد في العاصمة الكازاخية نورسلطان على مدار يومين عن رفضها الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية والتي تتعارض مع القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة وخاصة في ظل انتشار وباء كورونا.
ما تم التوافق عليه يشكل المسار الصحيح لإنهاء الأزمة والوصول إلى حل سياسي يلبي تطلعات السوريين في الحفاظ على وحدة وسيادة بلدهم، والخلاص من معاناتهم جراء الحرب الإرهابية ومفرزاتها من حصار غربي خانق يؤثر على وضعهم المعيشي، ولكن ذلك يتطلب إرادة سياسية واضحة من قبل الدول الداعمة للإرهاب، في العمل على تنفيذ مضمون البيان الختامي بالشكل الكامل، وفي مقدمة تلك الدول تركيا – الطرف الضامن للإرهابيين – وهذا الأمر من السهولة تطبيقه على الأرض في حال تخلى النظام التركي عن أوهامه وأطماعه التوسعية، ووصل لقناعة تامة بأن عهد السلطنة العثمانية البائد قد اندثر وولى إلى غير رجعة، وأنه ليس بمقدور هذا النظام العودة بالزمن إلى الوراء.
واقع الحال يشير اليوم إلى أن النظام التركي ليس بصدد مراجعة حساباته وتقديراته الخاطئة، وإنما الاستمرار في وضع العراقيل والمطبات السياسية والعسكرية أمام أي جهود دولية ترمي لوضع حد للحرب الإرهابية، وتظهير حل سياسي يعيد إلى سورية كامل تعافيها، ويعزز حضورها ودورها الفاعل على الساحة الإقليمية والدولية، فنلاحظ أن النظام التركي ما زال يدعم التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها “جبهة النصرة”، إضافة إلى أنه ما زال يحتل جزءا من الأراضي السورية في الشمال، ويفرض سياسة التتريك في المناطق التي تسيطر عليها قواته الغازية والمحتلة، حتى أنه أثناء انعقاد هذه الجولة من المحادثات، لم تتوقف قواته المحتلة ومرتزقتها من التنظيمات الإرهابية عن اعتداءاتها على المناطق الآمنة بريف الحسكة، وقصفوا بالمدفعية والقذائف الصاروخية قرية أم الكيف في ناحية تل تمر شمال غرب المدينة، وقبلها شنوا اعتداء صاروخيا على بلدة أبو راسين وقرى تل الورد وربيعات والأسدية بريف الحسكة الشمالي، وكل ما سبق يتناقض بالمطلق مع مبدأ الالتزام القوي بسيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها وبمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
استمرار الاحتلال الأميركي لأجزاء من الأرض السورية في منطقتي التنف والجزيرة، أيضا يتناقض كليا مع موجبات الحل السياسي الذي أجمعت عليه الدول الضامنة في أستانا، وهذا يتطلب جهدا دوليا مضاعفا لإلزام الولايات المتحدة بإخراج قواتها المحتلة، للمساعدة في إيجاد حل ينهي الأزمة، والكف عن دعم فلول “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى، والتخلي عن أجندات التقسيم التي تعدها من خلال مواصلة دعم ميليشياتها الانفصالية “قسد” وتحريضها على عدم الانخراط بأي نوع من الحوار مع الحكومة السورية، ولكن إدارة بايدن كغيرها من الإدارات السابقة تعمل على إطالة أمد الأزمة، بما يخدم المشروع الصهيوني، وواشنطن قد رفضت سابقا المشاركة باجتماعات ” أستانا” لمواصلة التصويب على مخرجاتها، وما زالت تعمل إلى جانب النظام التركي على تقويض كل التوافقات والتفاهمات التي خلصت إليها الدول الضامنة خلال جولات المحادثات الستة عشر السابقة، وكانت تعمد في كل مناسبة لطرح بدائل جديدة لاجتماعات آستانا، تكون هي صاحبة الفصل فيما يتفق عليه، بما يحقق أهدافها العدوانية التي عجزت عن تحقيقها من خلال العدوان والاحتلال ودعم الإرهاب.
العقوبات الجائرة التي تفرضها أميركا وأتباعها الأوروبيين تحت مسمى “قانون قيصر”، لها أيضا بالغ الأثر في زيادة مفاعيل الوضع الاقتصادي الذي يعيشه السوريون، وهي تشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، كونها تمس المواطن السوري في حياته ولقمة عيشه، وتحد من القدرة على توفير مقومات مكافحة وباء كورونا، وهي بذلك تشكل انتهاكاً سافراً وفاضحاً للقانون الدولي وللقانون الدولي الإنساني، ما يستوجب على المجتمع الدولي وبشكل خاص الأمم المتحدة، الاضطلاع بمسؤولياتهم في هذا الشأن باعتبارها القيمة على القانون الدولي الإنساني، ولا شك بأن رفع هذه العقوبات الجائرة سيساهم في تحسين الأوضاع المعيشية للسوريين، وتسهيل عودة المهجرين بعدما هيأت الدولة السورية الأرضية المناسبة لعودتهم رغم قساوة الحصار والعقوبات.
سورية لا تنفك تؤكد التزامها بمتواصلة مكافحة الإرهاب ومطاردة فلوله على كامل ترابها حتى القضاء عليه بشكل نهائي، وهذا حق مشروع كفلته كل قوانين الشرعية الدولية، والحل السياسي يستدعي بالضرورة اجتثاث الإرهاب من جذوره، وهنا فإن الأمم المتحدة، وهي مشاركة باجتماعات “أستانا”، يقع عليها مسؤولية وضع آليات عمل ملزمة من أجل تطبيق ما يتم التوصل إليه من نتائج إيجابية تخدم مسار الحل السياسي.