تمر في 26 كانون الأول 2021 الذكرى السنوية الـ 47 لرحيل موسيقار الأزمان فريد الأطرش، وتتحول الخطوات التي كانت متخذة قبل الحرب، والرامية إلى تحويل منزل أسمهان في السويداء لمتحف لفريد وأسمهان، إلى مجرد حلم، بسبب الأحداث الدامية المتلاحقة، حتى إن الأزمات المتفاقمة، دفعت الفكرة خطوات إلى الوراء، لكن من الذي ينشل الحركة الثقافية والفنية، من مرحلة الجمود والسكون والتقوقع، ويجعلها أكثر قدرة وانفتاحاً وإشراقاً، ومن يمنح الصورة القاتمة إلى درجة السواد، طابعها المتفائل الملون بالفرح والموصول بالمرح والأمل والمستقبل .
كم فنان عبقري أو شاعر كبير أو كاتب أو ناقد متفرد يمضي ولا أحد يتذكره، بعد أقل من مرور عام على غيابه، رغم أن الجمهور يزداد تعلقاً بإبداع هؤلاء عاماً بعد أخر، ولا تبعده أسئلة الحياة الصعبة عن التواصل مع المظاهر الابتكارية الحية والباقية في القلب والوجدان والذاكرة، ففريد الأطرش ابن سورية لم يكن فناناً عبقرياً وفذاً فحسب، بل كان المؤسس والمكتشف والمعلم والموجه، ولقد أكمل منذ البداية أوزان السحر حين قدم بصوت شقيقته أسمهان أروع الألحان، التي جعلتها المنافسة الأولى لأم كلثوم، مثلما كان هو المنافس الأول لمحمد عبد الوهاب، مايعني أن الإبداع الموسيقي والغنائي العربي في عصره الذهبي، كان إبداعاً مشتركاً بين مصر وسورية، ولم يكن محصوراٌ بمصر كما يتصور البعض.
فالفن أعلى درجات الحضارة، وفي أحاديث فريد الأطرش التلفزيونية المنتشرة على (اليوتيوب) يقول: إن موسيقانا تستطيع أن تغزو العالم، لأنها جديدة على أسماع الأجانب، إن الأجانب أخذو ألحاني، ووضعوا لها كلمات بثماني لغات، وحققوا نجاحاً كبيراً، وهذا دليل قاطع على أن موسيقانا باتت عالمية، ويمكن أن تدر علينا عملة صعبة، كأي مشروع صناعي ناجح.
لقد رحل عن عالمنا في 26 كانون الأول عام 1974 ولا يزال الأكثر إنتشاراً عالمياً بين كل الموسيقيين والمطربين العرب، وذلك لأنه قدم الأغنية المتطورة والنابعة في آن من الذاكرة الشعبية. وإذا كانت فكرة إنشاء (متحف فريد الأطرش وأسمهان) قد انطلقت في مرحلة سابقة، من وزارة السياحة، فمن واجبات الوزارة المذكورة تأليف لجنة رسمية لإعادة إحياء المشروع، وتكوين نواة المتحف، بمساهمة فنانين ونقاد ومؤرخين للفن الغنائي والموسيقي، حتى يصبح المشروع أكثر جدية وصراحة من المشاريع المشابهة في مجال التعريف بالإبداع السوري والعربي .
رؤية- أديب مخزوم