استقبل العالم العام الجديد باحتفالات صاخبة محدودة الانتشار وسط تحذيرات صحية كبيرة بالابتعاد عن تلك الاحتفالات بسبب الانتشار الأوسع لفيروس كورونا سيئ الصيت، وخاصة بعد ظهوره في حلته الجديدة المعروفة باسم أوميكرون المتحور الجديد ذي الانتشار الأوسع، فكانت الاحتفالات محكومة بتعليمات وشروط وضعتها السلطات الحكومية والطبية بهدف الحفاظ على وضع صحي مناسب يواجه مخاوف التعرض للموت نتيجة ذلك الفيروس المخيف، وغاب، أو تمت محاولة تغييب تلك المخاوف التي تتهدد المجتمع البشري كله نتيجة التوترات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تكاد تغطي مناطق العالم كلها وتكاد شرارتها الأولى تنطلق في أي لحظة.
فالعام الجديد حمل استمرار التهديدات الروسية الأميركية المتبادلة والتحذيرات من حرب واسعة ذريعتها الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بشأن أوكرانيا ومكانتها وموقعها ودورها الإقليمي والدولي بالنسبة للقوى العظمى، الأمر الذي قد يشكل الشرارة الأولى لحرب مفتوحة لن تبقى حدودها ضمن البحر الأسود، أو تقتصر على شبه جزيرة القرم وجوارها، بل ستشمل مناطق أوروبية واسعة، تبدأ من حدود بيلاروس مع بولندا وقد لا تنتهي عند حدود فرنسا وحتى الجزر البريطانية في أقصى الغرب الأوروبي، مع ما يعني ذلك من دمار للمدن ومشاريع البنية التحتية الأساسية التي تم إنشاؤها خلال سبعين عامًا مضت من الاستقرار، أو شبهه المحكوم وفق قواعد الاشتباك في فترة الحرب الباردة.
وهنا قد تكون مسألة أوكرانيا القضية الأكثر حضوراً على الإعلام في المشهد العالمي، إلا أنها في الحقيقة تمثل قمة الجبل الكبير في سلسلة التوترات الدولية النائمة على رماد العلاقات المتوترة والساخنة الكثيرة، فالصراع الأميركي والغربي من جانب ضد روسيا يستند إلى أبعاد أعمق من موقف استعادة أو عودة شبه الجزيرة الروسية إلى أصلها وسط حالة عسكرية حكمت عودتها، وأن الصراع يستند إلى رفض كبير من عودة روسيا لمكانة دولية تشابه الحقبة السوفييتية السابقة، لذلك تحشد واشنطن وأخواتها الأوروبيات إضافة لكندا وأستراليا واليابان كل جهودها للحيلولة دون وصول موسكو إلى حالة التوازن التكنولوجي والعسكري والاقتصادي الذي يجعلها نداً موازياً لواشنطن في القرار الدولي.
وهنا تحمل المواجهة في حال حصولها دماراً وتدميراً قد يعيد البشرية إلى مرحلة العصور الوسطى ويحرمها من التمتع بكل مخرجات العلوم والتكنولوجيا التي عرفتها في ظل ظروف الاستقرار والتعاون الدوليين على مدى العقود الأخيرة.
وتبقى المواجهة المباشرة متوقعة مع موسكو لتظهر الوقائع بعدها أن العالم على موعد مع انفجارات متتابعة ستدفع الصين للإعلان عن الموقف الحتمي والمنتظر في التحالف الضروري لمواجهة الغطرسة الأميركية السائدة والرافضة لوجود شريك استراتيجي وقوي أياً كان، ليكون العالم أمام حرب كونية تتجاوز الكرة الأرضية وتصل الفضاء والكواكب القريبة والأقمار الصناعية الخاصة بكل دولة والمخصصة لأغراض مختلفة بعضها عسكري وبعضها تجسسي وغيرها مخصص لأغراض الاتصالات وأغراض علمية واقتصادية، فيعم الظلام العالم وتنتشر جثث القتلى على امتداد الكرة الأرضية كلها، وليس في ذلك نظرة تشاؤمية لمستقبل مخيف، لكنها النتائج المؤكدة لأي احتمالات صدام قد يحصل وفق ما ذهبنا إليه في حديثنا، ولن يكون بمقدور تلك القوى العظمى إجراء حروبها على أراضي الغير، كأن تحصل المواجهات في أوكرانيا وحدها أو الدول العربية أو مناطق الشرق الأوسط، لأن الحسم يستدعي تدمير القوة الأساسية وقطع رأس الأفعى، لتبقى النهاية محكومة باختلاف القدرة على تلقي الصدمة والعمق في قدرة الاحتمال للأطراف المتحاربة الكبرى رغم الدمار الواسع المحتمل، فلا تنتصر القوة الكبرى وحدها ولا تفيد الصواريخ النووية العابرة للقارات في تحديد النهايات، إذ إن مجتمعات قد تنهار كلياً كما سيحدث بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، ومجتمع سيبقى قوياً متماسكاً يتحمل نتائج أي هجوم مهما تعاظم وكبر وهو ما سيكون عليه حال روسيا بالتأكيد وكذلك الصين، ليقف العام الجديد واحتفالاته أمام بشائر خير أو نذر شرور يتلاعب بأدواتها أعضاء قد يخطىء أحدهم في استخدام شيفرة إطلاق السلاح النووي.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد