على الرغم من السوء الشديد والصعوبات المؤلمة الناجمة عن التراجع الكبير لمستوى المعيشة، إثر ارتفاع غير مسبوق لأسعار الغذاء والدواء والكساء والنقل والوقود وغير ذلك، والذي بات ارتفاعاً يُطوّقنا من كل الاتجاهات، ويشد الخناق علينا، فليس من المجدي أبداً أن نستسلم للمصاعب، ونفقد الأمل بقدراتنا وإمكاناتنا المتاحة، وبقدرة هذا الوطن الجميل المظلوم، على المقاومة في وجه الأعاصير والعواصف.
لقد تعبنا كثيراً .. هذا صحيح .. وتحولت أشياء صغيرة وهامشية من وقائع يومية معنا إلى مجرد أحلام وأمنيات .. هذا صحيح أيضاً، ولكن الصحيح كذلك هو أن ما نحن فيه ليس نهاية العالم، ولا هو قدرنا المحتوم، ونحن ما نزال في هذا الوطن قادرين على أن نفعل الكثير، عندما تصحّ النوايا، وتستيقظ الضمائر، وتستفيق من هذا الخدر المزمن الذي اعتاد البعض عليه، واستسهل الفساد والتجاوزات في مختلف القطاعات .. الحكومية وغير الحكومية، لتكون – مع الأسف – هي الحليف الأقوى – عن قصد أو عن غير قصد – للقوى العدوانية التي تشنّ علينا الحرب والحصار، ولأولئك الخونة القابعين في فنادق الغرب والشرق، يردحون ويحرضون ضد بلادهم.
إمكاناتنا الذاتية قوية بالفعل .. ثرواتنا كبيرة، ومواسمنا خيّرة وفائضة، وصناعاتنا ما تزال متماسكة وهي تسير من حسن إلى أحسن رغم كل التخريب والدمار الذي حصل، ومجالات الاستثمار خصبة ومتنوعة، تجارياً وصناعياً وسياحياً وفي مختلف المجالات، وطاقاتنا البشرية خلاقة ومبدعة، وهذه كلها قواعد هامة لنكون قادرين وبقوة على الخروج من هذه الشرنقة الضيقة التي تطوينا بين جدرانها.
هناك شيء وحيد قادر وبكفاءة عالية على اكتساح كل تلك المعاناة التي نعيشها، واقتلاعها من جذورها، وهذا الشيء بكل بساطة هو ( زيادة الدخل ) الذي يمكن أن يحصل عندما نزج كل تلك الطاقات والثروات بما يمكننا من زيادة الإنتاج الذي يتبعه حتماً زيادة الدخل، ولم يعد سرّاً أننا متعثّرون إلى حدود العجب بالنأي وعدم الاكتراث كما يجب بهذه الفرصة التي يمكن تحقيقها من خلال ابتداع حالة من التشبيك والتمازج المتكامل بين الثروات والمواسم والطاقات البشرية التواقة للمزيد من العمل.
ثمة إجماع شامل من رئاسة الجمهورية إلى مجلس الشعب إلى الحكومة ومختلف وزاراتها ومؤسساتها .. إلى القطاع الخاص والأهلي .. وإلى كل أبناء الشعب، بأن المشاريع الصغيرة والمتوسطة – مثلاً – قادرة بكل أطيافها وتنوعها على إنقاذ الاقتصاد السوري، وامتصاص البطالة وتحريك العجلة وزيادة الدخل، ومع هذا ما تزال الجهات الحكومية ماضية في سياستها تجاه هذه المشاريع دون تغيير ولا تبديل المتمثلة بدعمها فوق الحدود بالكلام، وعرقلتها فوق الحدود بالفعل، فما تزال هذه المشاريع المأمولة مستعصية، ورهينة القيود والتعليمات التمويلية المتخلفة التي تمنعها من الانطلاق، لأنها تأخذ بعين الاعتبار القواعد الجامدة والقوالب المسبقة الصنع لتفرضها كمبادئ تمويلية في الوقت الذي نحتاج فيه إلى قواعد مرنة وقوالب متحركة تنسجم مع حالة الحرب والحصار التي يحتاج فيها اقتصادنا إلى المزيد من الإجراءات الإسعافية السريعة.
على كل حال نعود للقول بأننا لن نستسلم ولن نيئس ولاسيما أننا نعيش الأيام الأولى من هذا العام الجديد الذي نأمل أن يكون محرّضاً للحكومة كي تعمل ما في وسعها من أجل زيادة الدخل .. لتكتسح تلك الصعوبات المؤلمة كلها، وتتحسن الأوضاع المعيشية، وهي قادرة، والذرائع التي نسمعها غير مقنعة.
عام جديد .. وأملٌ جديد بإعادة الحسابات وتسويتها واستثمار الفرص الكبيرة التي ما تزال كامنة بلا جدوى بانتظار الانطلاق ..
سنة مباركة نرجوها للجميع .. وكل عام وأنتم بخير.
على الملأ- علي محمود جديد