حاولت كثيراً أن أصدق الرواية الأمريكية بأن واشنطن قادت تحالفاً لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في سورية والقضاء عليه فلم أفلح، وفتشت عن مبررات لوجود قوات الاحتلال الأمريكي في قاعدة التنف على مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، غير ابتزاز الحكومة السورية والضغط عليها بالإرهاب لمنعها من استعادة السيطرة على أراضيها وحرمانها من استغلال مواردها الاقتصادية في الجزيرة السورية، فلم أجد.
صحيح أن الولايات المتحدة التي تسيطر على الإعلام العالمي وتحاول منذ عدة سنوات أن تروج لروايتها الزائفة بأن الوجود العسكري الأمريكي يهدف إلى القضاء على تنظيم داعش الإرهابي ومنع عودته بعد إعلان واشنطن القضاء عليه عام 2018، لكن هذه الرواية تسقط بالضربة القاضية أمام الحقائق على الأرض وفي أول محاكمة منطقية يقوم بها أي إنسان عادي.
فالمتابع لمسار الحرب ضد تنظيم داعش في سورية يعلم أنه منذ استطاع الجيش العربي السوري دحر التنظيم على أسوار حلب وتدمر ودير الزور أواخر عام 2017 وقفت قوات الاحتلال الأمريكي المنتشرة في التنف وبعض مناطق منابع النفط في الجزيرة السورية أمام تقدم وحدات الجيش ووفرت ملاذاً آمناً لفلول التنظيم في منطقة الـ 55 كم حول قاعدة التنف.
ومنذ ذلك الحين يُلاحَظ أن جميع هجمات عناصر “داعش” ضد نقاط الجيش العربي السوري في منطقة تدمر ودير الزور وعلى طرق النقل البرية والمنشآت النفطية هناك، تأتي انطلاقاً من مناطق تمركز القوات الأمريكية في التنف وتحصل بتغطية وحماية وتسهيل من العسكريين الأمريكيين في القاعدة وآخرها الهجوم الإرهابي مساء الثاني من كانون الثاني الجاري الذي استهدف حافلة تقل عسكريين في البادية وأسفر عن استشهاد 5 عسكريين وإصابة 20 آخرين.
وهنا يحق لنا وللعالم أن نسأل الإدارة الأمريكية ومساءلتها، كيف لمجموعات “داعش” الإرهابية أن تتحرك بحرية بجوار قاعدتهم العسكرية المجهزة بأحدث التقنيات وأدوات الاستطلاع العسكرية إن لم يكن ذلك بدعم استطلاعي ولوجستي من تلك القاعدة؟
لم ينسَ العالم بعد اعترافات المسؤولين الأمريكيين السابقين، وعلى رأسهم وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، بأن واشنطن هي من أنشأ التنظيم الإرهابي، ولم تعد تنطلي على الشعوب الادعاءات الأمريكية بغير ذلك، وبدأ يتضح للرأي العام العالمي بشكل أكبر أن الوجود الاحتلالي الأمريكي في سورية وخصوصاً في التنف ليس سوى عنصر ابتزاز وضغط على الحكومة السورية كجزء من مخطط الحصار الأمريكي الخانق ضد سورية.
والسوريون يدركون جيداً أن هذا الوجود لا يعدو عن كونه أسطوانة أوكسجين لإبقاء تنظيم داعش الإرهابي على قيد الحياة ودعم ميليشيا “قسد” الانفصالية التي تتحكم بمصير الأهالي وتسرق محاصيلهم وتختطف أبناءهم، والدليل على هذا الإدراك انضمام الآلاف من أبناء دير الزور لعملية التسوية التي تجريها الدولة هناك وكذلك العمليات والهجمات التي تنفذها فصائل المقاومة الشعبية ضد الاحتلال وأدواته في الجزيرة السورية والتي تزداد يوماً بعد يوم تعبيراً عن رفض أبناء المنطقة للاحتلال وأدواته.
الولايات المتحدة تستطيع أن تبني حصوناً عسكرية في الصحراء لحماية بقايا تنظيم داعش الإرهابي وبعض الميليشيات والأدوات المحلية، لكن تلك الحصون رملية وتلك الأدوات مرحلية، وسيأتي اليوم الذي تندحر فيه القوات الأمريكية كما حصل في أفغانستان وقبلها في فييتنام، وعلى بعض السوريين المتوهمين بحماية أمريكية والمعتاشين على أسطوانة الأوكسجين الأمريكية، أن يدركوا أنه لن يطول الأمر حتى يأتي اليوم الذي يتعذر فيه على واشنطن حماية جنودها المحتلين في سورية وسيتم إخلاؤهم بسرعة قد تفوق ما حصل في مطار كابول.
إضاءات – عبد الرحيم أحمد