الثورة – فؤاد الوادي:
لطالما بنى كيان الاحتلال الصهيوني ومنذ بداية الحرب الإرهابية التي كان فيها شريكاً وطرفاً أساسياً، أوهاما كبيرة على تدمير مقومات الدولة السورية وأركانها الأساسية، لاسيما وحدة الدم والتراب والجغرافيا والمصير المشترك التي تربط بين السوريين جميعاً.
وكان نصب عينيه تدمير اللحمة الوطنية وإحداث فجوة وطنية وأخلاقية في الانتماء والهوية وخلق مساحات شاسعة في الأهداف والطموحات بين أبناء الشعب السوري، لكن ما حدث في عموم الجغرافيا السورية، وفي الجنوب تحديداً كان مفاجئاً وصاعقاً “لإسرائيل” التي قدمت كل الدعم اللوجستي لإرهابييها وأدواتها من أجل فصل الجنوب بالمعنى الوطني والسياسي وتحويله إلى درع يحميها ويحول بينها وبين سورية التي يبدو قرارها واضحاً ومعلناً وحاسماً في استرجاع كل ذرة تراب احتلها الكيان الصهيوني الغاصب.
الاستراتيجية السورية في محاربة الإرهاب، وبقدر ما هي كانت حاسمة، لجهة سحق الإرهاب واقتلاعه من الأرض السورية، بقدر ما هي كانت واضحة في السعي الحثيث لحقن دماء السوريين، لذلك كانت هذه المتلازمة العلامة الفارقة لسير المعارك القتالية، فالقضاء على الإرهاب كان ولا يزال أولوية سورية، لكن بنفس الوقت فإن تلك الأولوية قد تتراجع خطوة إلى الوراء لتتقدم عليها أولوية أخرى وهي حسم المعركة دون قتال، من خلال التسويات والمصالحات التي كانت أحد أبرز وجوه وأشكال الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري على الإرهاب، وبالمقابل كانت من أبرز الهزائم التي تلقتها منظومة الإرهاب التي قاربتها على أنها انتصار مزدوج للدولة السورية، حسم للمعركة وسحق للإرهاب وبلا أي خسائر بشرية أو مادية أو معنوية للجيش العربي السوري.
في حقيقة الأمر، لقد كان لـ (استراتيجية التسويات) التي رسمتها وانتهجتها وطبقتها دمشق بعناية ودقة الجرّاح المتمرس في إجراء العمليات الجراحية النادرة والصعبة والمستحيلة، لاستئصال كل الأورام الخبيثة دون إحداث أي ضرر أو عطب في بنية النسيج الوطني، كان لها الأثر البالغ والكبير في إحداث نقلة نوعية في مسار الحرب على الإرهاب، لما خلقته من تداعيات وارتدادات كارثية على قوى الاحتلال والعدوان بعد أن قلبت الموازين ورسمت حوامل وإحداثيات وقواعد جديدة للحرب، خاصة على إسرائيل التي كانت تبني أحلامها فوق “حطا ” السوريين، لذلك كانت ردات فعلها أسرع وأكثر عدوانية من أي وقت مضى، فكان استهداف الجيش العربي السوري والمدنيين هو الأسلوب الأكثر عدوانية لها للانتقام وللتعبير عن الخيبة والإحباط والهزيمة، وكذلك لرفع معنويات ما تبقى من إرهابييها وأدواتها الذي وجدوا أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاستسلام، أو السحق تحت أقدام الجيش العربي السوري.
الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والمتواصلة على المدنيين وعلى مواقع للجيش العربي السوري، كانت تجسيداً لحجم الخيبة والهزيمة التي تلقاها الكيان الصهيوني بعد فشل مشروعه الاحتلالي والتدميري في سورية، والذي لم يجد وسيلة للخروج من المستنقع إلا بالهروب إلى الأمام، من خلال التصعيد والاعتداءات وإشعال الحرائق بدعم من الولايات المتحدة وغياب أو تغييب للمجتمع الدولي برمته.
خيارات دمشق كثيرة وجاهزة ومفتوحة على كل الاحتمالات، وهي ترتبط بتطورات المشهد وضرورات اللحظة، من هنا كان التحذير السوري واضحا لإسرائيل بألا تراهن كثيراً على الصبر الاستراتيجي لدمشق، وبالمقابل أيضاً ألا تراهن على دعم الولايات المتحدة التي تبدو هي الأخرى بحاجة إلى من ينقذها من المستنقع، حتى لو دفعت بالعالم إلى شفير الهاوية.