سلسلة المفاوضات التي جرت مؤخراً مع الولايات المتحدة والناتو، حول الضمانات الأمنية لروسيا، لم تكن ناجحة، بحسب تأكيد الكرملين، ما يعني أنها متأرجحة على حبال الفشل بانتظار محادثات جديدة، وهذا الوضع يقود لنتيجة مفادها أن الولايات المتحدة والناتو، لا يمتلكان الإرادة السياسية الكافية بعد لإنجاح تلك المفاوضات، نظراً لتأثرهما الشديد بعقلية الهيمنة الاستعمارية التي ما زالت تتحكم بأصحاب مفاصل القرار في الغرب.
عملياً، واشنطن هي المسؤولة عن دفع الأمور نحو الانزلاق إلى تصادم عسكري يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، فهي من تقود السياسة الأوروبية، وتتحكم بالقرار الغربي، وموسكو أكدت هذه الحقيقة على لسان وزير خارجيتها لافروف عندما قال بأن التوصل إلى اتفاق بخصوص الضمانات الأمنية يتوقف على واشنطن، وبأن رد “الناتو” على المبادرة الروسية يتوقف كذلك على الموقف الأميركي، وبأن حديث المسؤولين الأميركيين عن ضرورة التشاور مع الحلفاء، هو مجرد حجج واهية ومحاولات لعرقلة العملية، ما يعني أن إدارة بايدن هي من تضع العراقيل والمطبات لنسف عملية التفاوض برمتها، وهذا يؤكد مجدداً أن هذه الإدارة ما زالت تراهن على مبدأ “التكتلات”، وتوظيف حلفائها لخدمة إستراتيجيتها اللاهثة لإعادة ترتيب موازين القوى العالمية بما يتناسب مع النزعة الأميركية نحو الحفاظ على سياسة هيمنة القطب الواحد.
موسكو تنتظر رداً مكتوباً من واشنطن والناتو على ضماناتها الأمنية خلال الأسبوع الجاري، ولكن الإشارات الاستفزازية التي تصدرها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، لا تبشر بقرب انفراج سياسي ينزع صاعق التفجير في أوكرانيا، ونلاحظ أن واشنطن تقود حملة تضليل ممنهجة لتحريف الوقائع، وبدأت تحدد تواريخ لبدء ما أسمتها عملية “غزو روسيا” لأوكرانيا، ومن دون تقديم أي دليل ملموس على ذلك، فيما أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يعتزم تشكيل بعثة عسكرية جديدة ستتولى تدريب ضباط رفيعي المستوى في الجيش الأوكراني، وأكد رفضه التام لمطالب روسيا لوقف تمدد حلف الناتو شرقاً وتخليه عن فكرة انضمام أوكرانيا إليه، وهذا كله يصب في سياق التصعيد المبرمج، الجاري تنسيقه بين واشنطن والناتو.
روسيا أكدت استعدادها لأي سيناريو محتمل، وأنها تعلم كيفية ضمان أمنها، ومبادرتها تعتمد بحسب الوزير لافروف على مبدأ توازن المصالح وتستهدف ضمان أمن كافة الدول الأوروبية، ويبقى على الولايات المتحدة والناتو إبداء حسن النية باتخاذ خطوات ملموسة على الأرض تنزع فتيل الانفجار، وهذا وحده يكفل إمكانية التوصل إلى حلول وسط، واتفاق متوازن يراعي المصالح الإستراتيجية لجميع الأطراف، ويجنب المنطقة والعالم مخاطر حرب إقليمية، ربما تقود لحرب عالمية ثالثة تهدد أمن العالم بأكمله.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر