مع اقتراب دخول الحرب الإرهابية على سورية عامها الثاني عشر وتشديد الولايات المتحدة حصارها الجائر على الشعب السوري، تدخل سورية رسمياً في مبادرة الصين الحزام والطريق، فهل تكون المبادرة حزام أمان للسوريين وطريق نجاة لهم مما هم فيه من ويلات الحرب والحصار؟
قد يكون من المبكر طرح استنتاجات وردية عن جدوى المبادرة على الصعيد الدولي أو حتى المحلي في ظل محاربتها بشراسة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية التي تعتبر نفسها متضررة من التمدد الصيني اقتصادياً وسياسياً، وترى في المبادرة محاولة لتعزيز حضور الصين الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وإسقاط الهيمنة الغربية والأمريكية.
قبل عقدين من الزمن تقريباً أعلنت سورية التوجه شرقاً لمواجهة الهيمنة الغربية وسطوة السياسة الأمريكية التي تريد أن تفرض على دول المنطقة الاستتباع السياسي وتحويلها إلى أداة طيعة بيد واشنطن في خدمة المخطط الإسرائيلي الذي يعني حكماً تخلي الدول العربية وخصوصاً سورية وفلسطين ولبنان عن حقوقهم في أراضيهم المحتلة ونبذ المقاومة والتسليم بالأمر الواقع.
الحرب الإرهابية التي فرضت على سورية مع بداية عام 2011 واستهدفت موقع دمشق ودورها الإقليمي والدولي، استطاعت إلى جانب تدمير بناها التحتية والاقتصادية والزراعية، أن تشغلها وتمنعها من تحقيق خطتها بالتوجه شرقاً لتحقيق التنمية والتطور، لكن اليوم وبعد انضمام سورية رسمياً إلى مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين عام 2013، وبعد تحرير مناطق واسعة من سيطرة الإرهابيين، لم يعد بالإمكان إعاقة المسار الذي يهدف إلى تحقيق التنمية للجميع عبر الشراكة والتعاون بعيداً عن الهيمنة الغربية الاستعمارية.
انضمام سورية إلى المبادرة عبر توقيع مذكرة تفاهم قبل أيام جاء في أعقاب الاتصال الهاتفي الذي أجراه السيد الرئيس بشار الأسد مع نظيره الصيني شي جين بينغ وأكد خلاله حرص سورية على تطوير العلاقة بين المؤسسات الحكومية في البلدين والانضمام لمبادرة الحزام والطريق التي تشكل طريقاً للاقتصاد والتنمية المشتركة بين الشعوب.
لاشك في أن المبادرة الصينية ستشكل عنصر دعم للدول المنضمة إليها والتي بلغ عددها حتى اليوم أكثر من 150 دولة، وخصوصاً سورية التي لا تزال تتعرض لحرب إرهابية واقتصادية وحصار اقتصادي غربي جائر، ويمكن للتعاون الاقتصادي بين البلدين في إطار المشروع أن يشكل عنصر دعم للشعب السوري في صموده ضد الإرهاب والحصار من جهة ومساهمة فعالة في إعادة الإعمار وخصوصاً في مجال البنى التحتية التي تعرضت للتدمير من قبل الإرهاب.
لقد وقفت الصين إلى جانب سورية في مواجهة ما تتعرض له سياسياً واقتصادياً، كما وقفت سورية إلى جانب الصين ودعمت حقها في وحدة أراضيها لتشكل العلاقات الثنائية مثالاً للتعاون بين الدول، والخطوة الجديدة لاشك ستعزز قدرة سورية على إعادة الإعمار وخصوصاً أن بكين اليوم تتربع على عرش الاقتصاد العالمي بعد أن أقصت الولايات المتحدة خلفها.
تحتاج سورية اليوم إلى عملاق اقتصادي قادر على جر قاطرة إعادة الإعمار في مجالات البنى التحتية الضخمة من المطارات إلى المرافئ وسكك الحديد والقطارات والسدود ومشاريع الإسكان والطاقة بكافة أنواعها المتجددة والتقليدية. وقد أبدعت الصين في هذه المجالات والمشاريع ليس داخل البلاد فقط بل في القارة الأفريقية والتي تشكل خير مثال على التطور الصيني وقدرات بكين التي تتفوق على الكثير من الدول.
لقد أعلنت الصين مبادرتها الحزام والطريق مساراً للتنمية المشتركة بين شعوب العالم وتشمل مسارين: الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين ويشكل انضمام سورية إليها أكبر مساهمة في إعادة الإعمار الاقتصادي والتنمية الاجتماعية في البلاد، كما أنه يعزز المواءمة بين مبادرة الحزام والطريق واستراتيجية سورية التوجه شرقاً، فهل ستشكل المبادرة حزام أمان للسوريين للسنوات القادمة وطريقا للتنمية والنجاة مما يخطط لهم الغرب الاستعماري؟ نأمل ذلك.
إضاءات- عبد الرحيم أحمد