هجرة الأطباء والكوادر الصحية والفنية وفقدان بعض التخصصات النادرة ظاهرة مقلقة للغاية، لما لها من آثار سلبية على قطاع الصحة خاصة وعلى المجتمع عامة، فعلى سبيل المثال هناك معاناة حقيقية من النقص الشديد في أطباء التخدير، حيث يوجد حالياً 500 طبيب تخدير فقط أغلبهم يعملون في مشافٍ عامة وخاصة، على حين إن حاجة البلاد أقل ما يمكن إلى 1500 طبيب لتغطية جزء من النقص بحسب التصريحات، حيث لا يمكن القيام بعمليات جراحية من دون طبيب التخدير.
هجرة الأدمغة وفقدان أصحاب الخبرات والعقول بالتدريج، وفي مقدمتها الأطر الطبية والكوادر المساعدة، لها العديد من التبعات الاقتصادية والصحية ولها تداعيات خطيرة على المدى المتوسط والطويل، والمريب في الموضوع أن الهجرة لم تعد تقتصر على الكفاءات والكوادر الطبية والصحية، إنما ينسحب ذلك على باقي القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية وغيرها، الأمر الذي يستدعي دق ناقوس الخطر لدى الجهات المعنية والمسؤولة لوضع خطط وحلول عاجلة لهذه المشكلة الخطيرة، التي تهدد المجتمع ومؤسساته من جراء تفريغها من مواردها البشرية، الأمر الذي يتطلب التوقف عند دوافع هذه الظاهرة ومعالجة الأسباب الجذرية من خلال تحسين بيئة العمل، وصرف رواتب مجزية وحوافز تقابل متطلبات الحياة اليومية وخلق بيئة وظروف عمل جاذبة وتوفير المحفزات، ودعم إمكانات ومهارات العاملين وتوفير ظروف وحياة مناسبة لهم.
لقد أثبتت الطواقم الطبية في سورية بما لا يدع مجالا للشك أنها تمتلك خبرة وقدرة عالية وأداء متميزاً وحساً بالمسؤولية، إذ قدمت تضحيات كبيرة خلال التعامل مع أزمة جائحة فيروس كورونا، ومن الواجب الحفاظ تلك الخبرات والمهارات واستقطابها وتهيئة الظروف المناسبة لتحسين مستوى معيشتهم للعدول عن فكرة الهجرة وترك بلادهم وإلزام الخريجين من الأطباء الجدد بفترة خدمة في المشافي العامة لسنوات معينة لأن من حق الدولة التي علمتهم وأنفقت على دراستهم أن تستفيد من خبراتهم وكفاءاتهم التي حصلوا عليها ورد جزء من الجميل لبلد قدم الكثير لأبنائه.
الحفاظ على صحة وسلامة أفراد المجتمع يستدعي إيقاف وتيرة الهجرة المتصاعدة للأطباء والنظر فيها، حيث لابد من تضافر جهود جميع الجهات المعنية للعمل على منع تدهور هذا القطاع واستنزاف كوادره وضمان استمرارهم في خدمة بلدهم من خلال زيادة الرواتب والأجور وسد الفجوة التي ظهرت نتيجة هجرة الكثير منهم بحثاً عن فرصة عمل تؤمن لهم ولعائلاتهم العيش الكريم.
أروقة محلية – بسام زيود